أن يقتل العدو الصهيوني الأمين العام لحزب الله

حسن نصر الله
حسن نصر الله

سألني أحدهم عن الرأي فيما قامت به “اسرائيل” من استهداف وقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وعدد من قادة الحزب في قصف يوم ٢٨ سبتمبر، وردود الفعل التي أظهرها الكثير من السوريين إزاء هذا الحدث.

وقد رأيت أن الإجابة تستدعي الكشف عن قواعد التفكير في الموقف من حزب الله ودوره، ومن دور الكيان الصهيوني، ومن هذه المرحلة من التصعيد بين الجانبين، وموضع مجمل الحدث من النظام الايراني والسوري. وعموم الوضع في المنطقة وخصوصا في فلسطين والعدوان المستمر على غزة، والمرحلة التي نمر بها. ونضع هذه القواعد في نقاط محددة:

1- في كل الأحوال، وفي كل الظروف. فإن الكيان الصهيوني هو عدونا الأول. لأنه عدو وجود. وليس عدو حدود، ولا عدو نظام.

إننا نعادي إيران عداء نظام، من يوم أن تجندت بالمنهج الطائفي الامبراطوري الذي تمثل بدولة “ولاية الفقيه”، لكننا لا نعادي الشعب الإيراني بتنوعه الكثيف. ولا نعادي الدولة الايرانية رغم وجود نقاط احتكاك، وحتى صراع عديدة معها لا تقتصر على عربستان. وجزر الامارات الثلاثة. فهذه كلها لها طرق العلاج والتعاطي. وهنا الفارق بين الصراع مع إيران الراهنة والصراع مع الكيان الصهيوني.

وبالتالي فإن ما يقوم به العدو الصهيوني من “أعمال، وما يحقق لنفسه من إنجازات”، فإنه يستهدف مصلحته، ومصلحة المشروع الصهيوني الغربي عموما. تجاه أمتنا. لذلك من الخطأ القاتل أن نظن أن خيرا سيأتي من فعل من أفعال الكيان.

2 – إن هذا العدوان الاسرائيلي الكثيف على لبنان، ومن قبله العدوان المستمر على غزة يستهدف أن يجعل من نفسه وقوته وأهدافه الفاعل الرئيس في المنطقة. وهو يتوقع أن يثمر ذلك تقاطر الأنظمة المختلفة وخضوعها لرؤيته ومتطلباته دون أي تردد، ودون أي هامش في الحركة بعد ما قام به في لبنان، وما يقوم في غزة على امتداد نحو عام مضى.

 فالرسالة التي يبعث بها لكل الأنظمة من حوله أن يده تطال من يشاء، وأن إرادته وأعماله محصنة بموقف حازم من دول الغرب. وأنه لا سبيل لأحد غير الخضوع لإرادته، والتوافق مع مطالبه ومخططاته.

3 – إن العدو الصهيوني في هجومه الراهن على لبنان لا يستهدف حزب الله فقط، وإنما يستهدف لبنان وشعبه فيقتل ويشرد ويدمر، وكل ذلك في إطار مخططه هو.

إن أهل لبنان جميعا هم أهلنا، شيعة وسنة، مسلمون ومسيحيون، دروز، وعلويون. الخ، الجميع أهلنا. ويقعون تحت مسؤوليتنا الوطنية والقومية والدينية، وما يصيبهم من ضرر وأذى يصيبنا مباشرة،

وإذا كنا نرى اختلاطا في المشاعر بين الناس في سوريا ولبنان ازاء نتائج هذا العدوان، بما في ذلك مقتل الأمين العام لحزب الله، وكبار قادة الحزب، فإن سبب ذلك يعود إلى ما ارتكبه حزب الله والمحور الإيراني من جرائم في سوريا، وفي لبنان من منزع طائفي.

4 – لا يراودنا شك بأن الخطيئة الأولى التي وقع بها “محور المقاومة” هو تصديق شعار وحدة الساحات، وحين قامت المقاومة الفلسطينية الباسلة بمجاهديها بتنفيذ عملية “طوفان الأقصى” الباهرة، ظهر يوما بعد يوم خذلان أطراف هذا المحور لمجاهدي غزة، مع العلم أن بناء هذا المحور كله إنما تم حول- “فلسطين”، وليس حول إيران، حول قدسية هذه القضية فلسطينيا وعربيا واسلاميا، وليس حول استهدافات واحتياجات دولة نظرية “ولاية الفقيه” الايرانية.

إن هذه الحقيقة كشفت أن فعل حزب الله تجاه العدو الصهيوني لم يأت من أجل فلسطين وإنما جاء تلبية لرؤية “الولي الفقيه” ولاحتياجات دولته.

 5 – ولعل الخطأ التكتيكي القاتل الذي وقع فيه حزب الله. ووقعت فيه قيادته، أنه لم يتم إدراك المعنى الحقيقي لاغتيال رئيس حركة حماس الشهيد “اسماعيل هنية” في طهران، ولا المعنى الحقيقي لردود الفعل المتخاذلة التي صدرت عن طهران بعد جريمة اغتيال هنية.

لقد ألغت “اسرائيل” باغتيالها هنية خطين أحمرين كان هناك حديث عن الالتزام بهما لسنوات طويلة:

 ** الأول: يخص عدم الوصول في الاغتيالات إلى مستوى اغتيال القيادات السياسية العليا،

** والثاني يخص عدم ارتكاب مثل هذه الأعمال داخل إيران.

وحين جاءت ردود الفعل الإيرانية على نحو ما جاءت، فإن طهران أعطت إشارة يفهم منها أنها تتقبل هذا التجاوز للخطوط الحمر، ثم جاءت تصريحات الرئيس الايراني في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة لتظهر قبولها بالثمن، وهو العلاقات الايجابية مع الأخوة الأمريكيين، وأنه يدرك أن حزب الله لا يستطيع منفردا أن يواجه “اسرائيل”، وأن البديل المطلوب والممكن، ليس موقفا إيرانيا حازما، يرد عن حزب الله وحشية الاندفاع الإسرائيلي وإنما دعوة “للدول الاسلامية” لاتخاذ موقف حازم من “اسرائيل”.

6- لذلك ليس خطأ أو تجاوزا القول إن الموقف الإيراني من مجريات الوضع في غزة وفلسطين ولبنان ساهم مساهمة فعلية في دفع “اسرائيل” لتصعيد عدوانها على لبنان، وبالتالي في ترقية أهدافها وصولا إلى استهدافه قيادة حزب الله، وتمكنها من قتل أمينه العام حسن نصر.

إن ثقة نصر الله وقيادة حزبه بنظام ولاية الفقيه، وهذه التبعية المطلقة له، وعدم إدراكه أو تصديقه أن ما بين إيران الراهنه والكيان الصهيوني هو تنافس على منطقتنا، هو ما أعمى أعينهم عن رؤية حقيقة موقف النظام الإيراني، وتغير الأولويات عند قياداته.

7 – ولعل هذه التبعية هي ما جعلت قيادة الحزب لا تدرك المؤشرات الحقيقية لتفجيرات “البيجرات، واللاسكي”، ولا لمعنى اصطياد قيادة “قوة الرضوان”، وما قبلها وبعدها وصولها إلى قيادات ميدانية بعينها، بل لعلها قرأت خطأ هذه الوقائع واستنتجت منها أن ” القيادات السياسية للحزب” في مأمن عن الاستهداف.

8 – لكل ما سبق فإن موقفنا من حزب الله ينبع من تبعية الحزب لدولة ولاية الفقيه، ومما ارتكبه الحزب من جرائم ومذابح بحق الشعب السوري وما زال، نصرة لنظام مستبد فاسد وقاتل، وتدعيما لرؤية ومصلحة دولة ولاية الفقيه لهذا النظام، وكذلك لما مارسه هذا الحزب من سلوكيات طائفية بغيضة داخل المجتمع السوري، ساهم من خلالها ومع نظام الأسد في زرع الضغينة في هذا المجتمع الذي لم يعرف من قبل مثل هذه الحالة.

9 – وأخيرا ونحن نتمثل الموقف الديني والقومي والحضاري، ومسؤوليتنا تجاهه، فإنه لا يسعدنا أن قام العدو الصهيوني بقتل الأمين العام لحزب الله والكثير من قياداته، ورغم كل مافعله الحزب في أهلنا ومجتمعنا، ونترفع عن مشاعر الشماته، ونربأ بأنفسنا أن نقف موقفا يفيد العدو ولو بقدار شعرة، ويدمي قلوبنا أن يصيب شعبا اللبناني عموما، وأهلنا في الجنوب وفي الضاحية ما يصيبه من هذا العدو الغاشم، ونعتز ونسعد بسلوك أهلنا في ايواء النازحين واللاجئين من هذه المناطق، وندعو كما دعونا من قبل إلى أن يعود هذا الحزب بجمهوره عن التبعية لدولة” ولاية الفقيه” الايرانية، وأن يتوقف عن خطفه للطائفة الشيعية في لبنان وفي سوريا، وأن يتبرأ من الجرائم التي ارتكبها في سوريا، وخرج من سوريا، ويعود لممارسة دوره ليكون إحدى القوى الوطنية اللبنانية، وأن يساهم في خروج الدولة اللبنانية من مأزقها الخانق الذي كان صانعا رئيسيا له، المتمثل بشغور المناصب الرئيسية فيه وتعطل مظاهر الحياة السياسية والاقتصادية والصحية والتعليمية فيها.