في مثل هذه الأيام في 17 سبتمبر/أيلول 1978 قام الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر بجمع الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي (الإرهابي) مناحيم بيغن ( قام بيغن بعمليات إرهابية عديدة أبرزها تفجير فندق الملك داوود في القدس (1946)، الهجوم على سجن عكا (1947)، واغتيال الوسيط الدولي في فلسطين، الكونت برنادوت (السويدي الجنسية) عام 1948. السلطات البريطانية في فلسطين أعلنت مناحيم بيغن كإرهابي، ووضعت صورته في رأس قائمة «المطلوبين». لكن أكبر وأفظع جرائم بيغن، وقعت في نيسان/إبريل 1948 حيث اقتحم مع المئات من مسلحي منظمته «أرغون» قرية دير ياسين، لارتكاب المجزرة المشؤومة) لعرض اتفاقية كامب ديفيد لتطبيع أول وأكبر وأقوى دولة عربية مع دولة الاحتلال إسرائيل التي تم التوقيع عليها في 26 آذار/ مارس 1979 في واشنطن.
الجامعة العربية
بالتوقيع على هذه الاتفاقية اختار السادات الانسلاخ عن منظومة أنظمة الجامعة العربية التي أدانته واعتبرته “خائن” الوطن وقررت نقل مقر الجامعة إلى تونس، وأن ينهي حالة الحرب مع دولة الاحتلال مقابل استرجاع سيناء بالتفاوض (على عكس الشعار الذي كان ينادي به جمال عبد الناصر ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة)، و”الازدهار” الاقتصادي الخلبي الذي لم يتحقق أبدا (وهذا ما دفع الشعب المصري إلى القيام بثورة يناير/كانون الثاني ضد نظام حسني مبارك) وإلى طريقة حتفه حيث تم اغتياله (ولسخرية القدر) في يوم الاحتفال بالنصر على إسرائيل في حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول في العام 1981 أي بعد سنتين تقريبا من الاتفاقية مع الدولة التي وقع اتفاق التطبيع معها.
هذا الاتفاق الذي ظاهريا يشمل مصر ودولة الاحتلال لكن في طياته اختبأ الشيطان في تفاصيله.
مائير روزين السفير الإسرائيلي السابق في فرنسا، والمستشار القضائي لوزارة خارجية الاحتلال الذي كان أحد المستشارين في اتفاق كامب ديفيد من ناحيته القانونية أشار في مذكراته إلى أن دولة الاحتلال أرغمت مصر على تفضيل أولوية اتفاقية كامب ديفيد على أي معاهدة سابقة مشتركة بين مصر ودول عربية أخرى (وهذا يعني أن أي جهة عربية تدخل في حرب مع إسرائيل فليس لمصر الحق في مؤازرتها، ومن هنا نرى أن مصر لم تتدخل مطلقا في الاعتداء الإسرائيلي على غزة المستمر منذ عام تقريبا، ولم تتجرأ أي دولة أخرى منذ توقيع الاتفاق على الدخول في حرب مع إسرائيل بدون مصر).
في تفصيل ثان وخلال المفاوضات كانت مصر قد طالبت بالانسحاب الإسرائيلي من الجولان والضفة الغربية وغزة، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، أو منح الفلسطينيين حكما ذاتيا في مناطقه “على أقل تقدير”(حسب ما جاء في طلب مصر)، لكن إسرائيل رفضت رفضا قاطعا هذا البند فتم التنازل عنه من قبل السادات لإتمام الاتفاقية.
التضامن العربي
وهنا لا بد من الإشارة إلى عدة استنتاجات:
أولا: أن الرئيس السادات تخلى عن التضامن العربي مقابل توقيع الاتفاقية.
ثانيا: أنه تكلم باسم الفلسطينيين دون استشارتهم، وتخلى عن المطالبة بحقوقهم المشروعة، بل وعن حقهم في بناء دولة مستقلة، بقبوله “بحكم ذاتي على أقل تقدير”، وحتى الحكم الذاتي كان مرفوضا إسرائيليا.
وأيضا تم رفض قراري مجلس الأمن 242 القاضي بانسحاب من الأراضي المحتلة بعد حرب 67 وعدم جواز الاستيلاء على أراض عن طريق الحرب، (تم التلاعب بالنص بحذف ال التعريف من كلمة الأراضي لتصبح (أراض) وهنا تعني ليست كل الأراضي المحتلة).
والقرار 338 القاضي بالبدء فورا بتنفيذ القرار 242 بجميع أجزائه، وإجراء مفاوضات بين الأطراف المعنية تحت الإشراف الملائم بهدف إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط.
وفي نص هذا القرار تم تجاهل تنفيذ القرار 242 وجعل مسألة المشرف على المفاوضات غامضة بالقول: “تحت الإشراف الملائم”.
ممارسة الضغوط
وفي تجاهل هذين القرارين وعدم ممارسة الضغوط العربية ومنها مصر المطبعة كانت النتيجة احتلال قسم كبير من الجولان وضمه، استمرار احتلال الضفة الغربية وغزة، الأمر الذي أضر بفلسطين والفلسطينيين الذين استمروا في مقاومتهم للاحتلال بالانتفاضات (انتفاضة أطفال الحجارة في 1987، انتفاضة الأقصى في العام 2000، انتفاضة الأقصى 2015، هبة الأسرى 2017، هبة الأقصى 2017،)، وبالحروب في غزة ( سبع حروب متتالية في غزة آخرها وأكبرها وأطولها وأكثرها إجراما من قبل الجيش الإسرائيلي حرب طوفان الأقصى).
وكما جاء في المطالب المصرية في اتفاقية كامب ديفيد مطلب إجراء تعديلات في مقترح الحكم الذاتي ليكون جذابا بما فيه الكفاية للفلسطينيين المعتدلين، وجلبهم كمشاركين ..
والحكم الذاتي يبدأ بعد خمس سنوات (من بدء سريان اتفاقية كامب ديفيد)، بينما طالبت دولة الاحتلال “بقبول وجود أمني إسرائيلي طويل المدى في الضفة الغربية وقطاع غزة” وهذا ما حصل لغاية اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال، على أساس “غزة أريحا أولا”.
ولا مجال هنا لتقييم إيجابيات كامب ديفيد بالنسبة لمصر (عدا عن استرجاع سيناء) لكن الحرب الدائرة الآن في غزة أظهرت أن دولة الاحتلال قامت بانتهاك صارخ لهذه الاتفاقية باحتلال محور صلاح الدين (فيلاديلفيا) والتحكم في معبر رفح وعدم إدخال المساعدات للشعب الفلسطيني، كما انتهكت اتفاقية وادي عربة في غور الأردن ومشروع نتنياهو ببناء جدار على الحدود مع الأردن، ومخططات لتهجير الفلسطينيين إليه أيضا. وألغت عمليا اتفاقية أوسلو بإعادة احتلال الضفة الغربية وغزة، وهذا ينسحب على كل اتفاقيات التطبيع لدول عربية أخرى مع إسرائيل فهي ربما قدمت ميزات ما بالنسبة لهذه الدول إلا أن إسرائيل يمكن أن تنتهكها متى شاءت إذا شعرت أن مصالحها تفرض عليها ذلك. لكنها أضرت جميعها بما فيها اتفاقية أوسلو التي قام بها الفلسطينيون أنفسهم بالقضية الفلسطينية برمتها، واتفاقيات أبراهيم خير دليل على ذلك حيث كادت هذه الاتفاقيات أن تقضي على القضية وتحولها، حقوق الشعب الفلسطيني تنحصر في مطالب معيشية، بينما إسرائيل تتقدم في احتلالها للأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية.
وفي اعتداءاتها وجرائمها المستمرة على المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن كمشهد يومي نعيشه هذه الأيام، وجرائم غزة تتكرر اليوم في لبنان بعمليات قتل وتدمير والأنظمة العربية المطبعة وخلافها أكل القط لسانها.