اللاجئون السوريون من الدلف لتحت الميزاب

لاجئون سوريون
لاجئون سوريون


أثارت الهجمات التي قام بها مجموعة من الأتراك ضد اللاجئين السوريين، وتخريب ممتلكاتهم في ولاية قيصري وغازي عنتاب وسواها من المدن التي شهدت أحداثا مشابهة، ثم نشر معلومات شخصية، بأسماء وأماكن الإقامة لآلاف السوريين على موقع تلغرام، ضجة كبيرة، وردود أفعال متعددة كان أبرزها تعرض المنشآت التركية، والمراكز الرسمية لهجمات من السوريين في المناطق المحررة (منطقة إدلب) وإحراق العلم التركي، وخروج المظاهرات المناوئة لتركيا.
إن إي اعتداء مهما كان نوعه، ومهما كانت صفة مرتكبه هو من صلاحية السلطات الأمنية والقضائية وليست من صلاحية الدهماء بالاعتداء والتخريب، وما حصل هو عملية مبية (اتخذت كذريعة من حادثة اعتداء لاجئ سوري على بنت قاصر سورية) خاصة وأن وسائل التواصل الاجتماعي قد امتلأت بخطاب الكراهية ضد السوريين. وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا قال: «منذ اندلاع الأحداث في ولاية قيصري جرت مشاركة 343 ألف منشور على وسائل التواصل الاجتماعي من 79 ألف حساب بينها 37 بالمئة حسابات وهمية، و68 بالمئة منها كانت منشورات تحريضية، وأشار إلى أنه تم توقيف 67 شخصا بتهمة الاعتداء على السوريين. كما تم إلقاء القبض على المراهق الذي قام بنشر بيانات السوريين على النت. وهذه الأحداث هي من محاولات المعارضة التركية أن تجعل من مسألة اللاجئين السوريين عنوانها الأول ورأس الحربة في مواجهة الحكومة التركية، لأن هذه الأحداث لا يمكن أن تتم إلا بتحريض من جهة ما لغايات شتى ما من شأنها سوى إشعال فتيل العنصرية ضد السوريين في تركيا، والأتراك في سوريا. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كلمة له أكد» من العجز اللجوء إلى الكراهية لتحقيق مكاسب سياسية». ودانت المعارضة السورية أحداث قيصري، وكذلك اعتداء السوريين في المناطق المحررة على أتراك وممتلكات تركية، لأن من شأنه أن يؤجج التحريض والكراهية، ومن المعروف أن تركيا استقبلت ملايين السوريين وقامت بجهود كبيرة لحمايتهم. هذه الأحداث جاءت متزامنة مع تصريحات متكررة للرئيس أردوغان بإمكانية لقاء قريب مع رئيس النظام السوري بشار الأسد برفقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تركيا. ورغم خطاب المعارضة الموجه ضد السوريين وتحميلهم أوزارا عدة فإن على الأتراك أن يفهموا أن السوريين لا يشكلون عبئا على تركيا أكان اقتصاديا أم اجتماعيا، وبالطبع سياسيا، فقسم من السوريين قد استثمروا أموالا طائلة في تركيا، وساهموا في تسيير عجلة الاقتصاد التركية، وجلهم يعمل بأقل الرواتب في المؤسسات والشركات التركية، وتركيا تقبض أموالا من المؤسسات الدولية والأمم المتحدة مخصصة للاجئين، ناهيك عن كل العرب الذين يزورون تركيا ليستثمروا فيها، أو ليقضوا إجازات ويشتروا بضائعها، وهناك حركة تجارية مزدهرة بين تركيا ومعظم الدول العربية. وعلاقات العرب مع تركيا علاقات تاريخية واجتماعية ودينية طويلة. وهنا لا بد من التنويه والعودة زمنيا قليلا للوراء.
أثارت الهجمات التي قام بها مجموعة من الأتراك ضد اللاجئين السوريين، وتخريب ممتلكاتهم، ضجة كبيرة، وردود أفعال متعددة
لقد دخلت جيوش سليم الأول سوريا في العام 1516 وانتصرت على جيش قنصوة الغوري في معركة مرج دابق في شمال سوريا، واستمر الوجود التركي في سوريا ومعظم الدول العربية، لغاية نهاية الحرب العالمية الأولى بعد إعلان الشريف حسين الحرب على الجيوش العثمانية ودخول القوات العربية والبريطانية دمشق في عهد السلطان عبد المجيد الثاني 1918 مع غزو الجيش البريطاني. وهذا يعني أن فترة أربعة قرون بالتمام والكمال سيطرت خلالها تركيا على سوريا (الكبرى). وخلال هذه الفترة من المعروف أنه تم السيطرة من قبلها على كل موارد البلاد، وإجبار المواطنين على دفع ضرائب باهظة أثقلت كاهل الفلاحين والتجار وكل من يدير صناعة ما. ومن حق السوريين اليوم أن يذكروا بهذه الحقيقة التاريخية، وقد قامت السلطات العثمانية بجرالشباب السوري بالقوة للمشاركة في جميع حروب السلطنة في حرب القرم وسواها وفي السفر برلك ( الحرب العالمية الأولى) وقتل منهم عشرات الآلاف في هذه الحروب، وهناك عشرات الآلاف من العائلات التركية التي مازالت مستوطنة في البلاد العربية، ومنها سوريا ومحتفظة حتى اليوم بأسمائها التركية وتعيش في أمان وسلام في ربوع سوريا، وقد عوملوا في بلادنا كالسوريين وتمتعوا بجميع الحقوق. وبعد قيام الثورة السورية، ودعم الولايات المتحدة الأمريكية «لقوات سوريا الديمقراطية» (قسد) الكردية، والسيطرة على مناطق واسعة من شمال شرق وغرب سوريا قررت تركيا مواجهة «قسد» بزج آلاف المقاتلين السوريين من فصائل الجيش السوري الحر في عملية «درع الفرات» (آب/ أغسطس 2016) ثم عملية «غصن الزيتون» كانون الثاني/ يناير 2018، ثم عملية نبع السلام (تشرين الأول/ أكتوبر 2019) كما أنها جندت آلاف السوريين في معارك في ليبيا، وناغورني كرباخ، والنيجر، وقتل منهم المئات. اليوم نذكر السيد «أوزغور أوزال» رئيس حزب «الشعب الجمهوري» أكبر أحزاب المعارضة التركية الذي قال: «لا نريد أن يبقى اللاجئون في البلاد أو أن يصبح الوضع القائم الآن دائما» بأن السوريين خدموا تركيا بأموالهم، وسواعدهم، ودمائهم لقرون عدة.
اليوم وإزاء هذه الحوادث المؤسفة والمؤلمة يجب على الائتلاف الوطني، والمجلس الإسلامي الأعلى تحمل مسؤولياته تجاه السوريين في تركيا، ولا يكتفي بالإدانات والبيانات، بمطالبة السلطات التركية بضمان سلامة كل السوريين على الأراضي التركية، وعدم ترحيلهم قسريا، وألا تكون عملية التطبيع مع نظام الأسد على حساب اللاجئين السوريين.
وضع السوريين في دول الشتات ليس أفضل حالا من تركيا، ففي البلدان «الشقيقة» كلبنان يتم التعامل معهم كمنبوذين، تتخوف من وجودهم الطوائف المسيحية التي تخشى على التوازن الطائفي بحكم أن معظم السوريين في لبنان هم من المسلمين السنة، ولم يخفها زعماؤهم، وحاولت الحكومة اللبنانية مناشدة الأمم المتحدة، ومنظمات دولية تعنى بشؤون اللاجئين بإيجاد حل لهم وترحيلهم إلى سوريا، مع أن هذه المنظمات حذرت بأن الوضع في سوريا غير آمن، ويعاني السوريون اليوم من منع الكثير من أطفالهم بدخول المدارس، وترفض بعض المناطق حتى دفن موتاهم على أراضيها، ويتعرضون للعنف الذي يصل إلى حد القتل، وتخريب الممتلكات والمحلات التجارية، وطردهم من مخيماتهم. ويتجاهل اللبنانيون أن أحد أسباب لجوء السوريين هو طردهم بالقوة من قراهم وبلداتهم من قبل حزب الله الذي سيطر على وادي بردى والقصير ومعظم الحدود السورية اللبنانية، ونسي بعضهم أن السوريين استقبلوا مئات آلاف اللبنانيين إبان الحرب الأهلية اللبنانية ولم تنصب خيمة واحدة لهم بل استقبلوا في البيوت التي كانت مفتوحة لهم. ويمتد القلق إلى الأردن ومصر أيضا حيث يسعى البلدان بشتى الطرق ترحيل السوريين وإعادتهم إلى سوريا بحجة أن السوريين يشكلون عبئا ماليا كبيرا عليهما، مع أن السوريين في كلا البلدين يقومون بنشاط تجاري واستثماري كبيرين، ويعملون في شتى المجالات، ويؤمنون مواطن شغل لمصريين وأردنيين في مشاريعهم. ومن النادر جدا أن يرتكب أحدهم أي مخالفة قانونية أو جنائية. والسؤال هو إذا ما تم التطبيع التركي مع النظام السوري كما حصل مع الأردن، هل يوافق رئيس النظام بشار الأسد على عودتهم وهو الذي قال بأن الشعب السوري بات «أكثر تجانسا» بعد تهجير نصفه؟
كاتب سوري