في الذكرى السنوية 13 للثورة: شآم ماذا حل بك

مظاهرات بذكرى الثورة السورية
مظاهرات بذكرى الثورة السورية


لم يكن يتوقع إبراهيم القاشوش الذي أنشد أول أهزوجة للثورة: “يلا ارحل يا بشار” أنه سينتهي جثة في نهر العاصي مقطوع الحنجرة، كمئات من الجثث التي طفت في هذا النهر بعد مجزرة حماة التي ارتكبها عمه رفعت الأسد في العام 1982 الذي قرر القضاء السويسري محاكمته كمجرم حرب وضد الإنسانية بعد أربعة عقود ونيف من المذبحة الكبرى، وأن بشار لن يرحل لأنه ارتكب مجازر بكل الأسلحة المتاحة حتى الكيميائي منها بلغت أضعاف مجزرة عمه بحق الشعب السوري المنتفض صبيحة الثامن عشر من آذار/مارس 2011، وهجر نصف الشعب السوري، وقتل عشرات الآلاف في السجون تحت التعذيب، وفتح أبواب سوريا على مصاريعها لكل الميليشيات الطائفية لتقاتل السوريين، وللدول التي لها في سوريا مآرب أخرى.
النظام والمعارضة
أفرزت الثورة السورية معارضة سياسية تمثلت بالمجلس الوطني السوري الذي عقد أول مؤتمر له في 31 أيار/ مايو 2011 في أنطاليا في تركيا وسرعان ما تفكك هذا المجلس، وحل محله الائتلاف الوطني الذي تفرع عن اللجنة العليا للتفاوض مع النظام الذي تحت ضغوط دولية عمل على تسويف كل الاجتماعات المتعاقبة والالتفاف خاصة على القرار الأممي 2254 الصادر في العام 2015 الداعي في مادته الرابعة على دعم عملية سياسية بقيادة سوريا، تيسرها الأمم المتحدة، وتقيم في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر حكما ذا مصداقية يشمل الجميع و”لا يقوم على الطائفية”.
ودعمت روسيا التي تدخلت عسكريا وسياسيا في العام 2015 (بدعوة من النظام) النظام عسكريا، وبالالتفاف على القرار الأممي بتأسيس “محادثات آستانة” التي عقدت 21 اجتماعا عجافا، ثم مسار “سوتشي”الذي يضم الدول الضامنة (روسيا، إيران، تركيا)، التي صار لكل واحدة منها مكانا على الخريطة السورية، دون التوصل إلى أي تقدم على أي صعيد، حتى اللجنة الدستورية التي شكلت بجهود الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص الأخير غير بيدرسون الذي أكد بعد جولات تسع أن النتيجة تساوي صفرا بسبب تسويف النظام ووضع عراقيل وعقبات في طريق الوصول إلى صياغة دستور جديد للبلاد.
الجيش السوري الحر
وعلى مستوى المعارضة المسلحة تم تشكيل ميليشيات قتالية متناحرة بدعم من دول عربية، وتشكيل الجيش السوري الحر بعد انشقاقات متتالية عن جيش النظام، وإلى جانبه تشكلت ميليشيات تكفيرية بأسماء دينية مختلفة أبرزها هيئة تحرير الشام التي تمكنت من السيطرة على منطقة إدلب، وسحبت البساط من تحت أقدام الجيش السوري الحر الذي تجزأ إلى فصائل انضوت جميعها تحت مظلة تركيا وتحالفت معها في تدخلها العسكري في العام 2015 في عملية نقل ضريح “سليمان شاه”، ثم عملية درع الفرات في 2016، وعملية غصن الزيتون 2018، وعملية نبع السلام 2019 التي استهدفت جميعها قوات سوريا الديمقراطية الكردية التي استطاعت بدعم أمريكي السيطرة على مساحات واسعة تقارب ربع مساحة سوريا شرق الفرات أسست فيها مناطق حكم ذاتي، والدخول في التحالف الدولي بقيادة أمريكا للقضاء على تنظيم الدولة “داعش” الذي ظهر فجأة وانتشر بسرعة البرق في الأراضي السورية وخاصة في منطقة شرق الفرات)، ومن جانب النظام قامت إيران بدور أساسي بإرسال ميليشيات طائفية أفغانية، وباكستانية، (زينبيون، وفاطميون، وأبو فضل العباس) إلى جانب وحدات من الحرس الثوري الإيراني، وميليشيات طائفية عراقية، وحزب الله اللبناني، وجميع هذه الفصائل تقاتل بعضها بعضا، مع تدخل مستمر من قوات النظام، والقوات الروسية التي تقوم بقصف غير منقطع لمناطق سيطرة المعارضة.
وانتفض مؤخرا الموحدون في جبل العرب ضد النظام ودمروا مؤسساته ومقرات حزب البعث، وأعلنوا العصيان ضد النظام، وبمعنى آخر فإن حوالي 45 في المئة من مساحة سوريا خارج سيطرة النظام.
وما تبقى يقع تحت هيمنة روسية ـ إيرانية ـ حزب الله، ومن يعيش في هذه المناطق وصل دخل الفرد المتوسط فيه حوالي 15 دولارا شهريا، ويتآكل مع ارتفاع سعر الدولار الذي تجاوز 15000 ليرة للدولار الواحد.
أما النظام الذي يعاني من عقوبات أمريكية راح يعوض تدهور اقتصاده ببضاعة جديدة: الكبتاغون فباتت سوريا (بلد الرخاء سابقا) دولة مخدرات أغرقت الدول العربية، وحتى بعض الدول الأوربية بإنتاجها الغزير (تم مؤخرا إحباط عملية تهريب ضخمة في ليبيا تقدر بـ 16 مليون حبة كبتاغون، وفي الأردن بوابة التهريب لدول الخليج تقوم السلطات الأردنية بإحباط عمليات كبيرة بشكل اسبوعي).
مصالح متضاربة
بعد عام 2018 انخفض الاهتمام الدولي بالأزمة السورية، لضعف مؤسسات المعارضة في تنظيمها، ونشاطها، واتفاقها فيما بينها، خاصة وأن دول أصدقاء سوريا التي تشكلت بدعوة من فرنسا في مؤتمر باريس 2012، تراجعت في دعمها المجلس الوطني ثم الائتلاف، والتي فاق عددها المئة دولة، على إثر تخوفها من الميليشيات التكفيرية من جهة، والميليشيات الطائفية المستوردة، ثم زاد الطين بلة مع ظهور داعش، وتراجع إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عن معاقبة نظام الأسد على جرائم استخدام الأسلحة الكيميائية لصالح عقد اتفاق نووي مع إيران. ولعبت إسرائيل دورا كبيرا في منع سقوط النظام التي ارتاحت لهدوء جبهته خلال أربعة عقود ونيف في الجولان المحتل.
وخاب ظن السوريين بمعارضتهم وأخذوا موقفا سلبيا منها. ومع جائحة كوفيد 19 بات الاهتمام العالمي يتوجه لوقف انتشار الوباء، تبعتها حرب أوكرانيا التي أخذت الحيز الأكبر من اهتمام العالم، ثم جاءت الحرب على غزة فغطت على كل الاهتمامات الأخرى. لكن اهتمامات الدول المعنية بوجودها على الأرض السورية (تركيا، إيران، روسيا، أمريكا، إسرائيل)، بقيت محافظة على وجودها بل وعززته، رغم تضارب مصالحها لم تصطدم فيما بينها، واعتمدت حالة التعايش غير المريح حتى تحقيق أهداف كل منها المعلنة وغير المعلنة، فتركيا التي تقف ضد “وحدات الشعب الكردي” المدعومة من أمريكا التي تعتبر حليفة لتركيا في حلف الناتو لا ترى بعين الرضا تدفق الأسلحة والمعدات الأمريكية للمناطق الكردية وحمايتها، وتقف حائلا دون تمدد السيطرة التركية على طول حدودها كما حاولت مرارا، وأمريكا تعيب تحالف تركيا مع روسيا التي بنت قواعد لها في حميميم وطرطوس من شأنها تهديد حلف الناتو في البحر المتوسط، أما إيران المتحالفة مع روسيا فإنها تواجه أمريكا وإسرائيل معا اللتين تسعيان معا صدها عن الحصول على سلاح نووي من جهة، ودعم حزب الله اللبناني، وهذا ما يفسر القصف المستمر لقواتها ومناطق تواجدها من قبل إسرائيل بشكل خاص.
الجامعة العربية
أما الدول العربية التي كانت منقسمة على نفسها في مواقفها من نظام الأسد فقد سعت بعضها لعودته إلى الجامعة العربية لفك عزلته مقابل عدة شروط منها الدخول في عملية سياسية جدية مع المعارضة، ووضع حد لتهريب المخدرات، لكن خاب ظنها مع عدم احترام هذه الشروط، وفي خضم كثرة أعلام الدول المرفرفة على الأرض السورية، وكل منها يؤسس لوضع مستدام، يطل رأس النظام من جبل قاسيون حيث يقيم كأي رئيس جمهورية موز، أو زعيم كارتل مخدرات، لا يهمه ما يجري حوله، ولا يبحث إلا عن استمراريته، والهروب إلى الأمام، ولكن إلى متى؟
ما تزال فكرة الثورة ماثلة في وعي جزء لا يستهان به من السوريين مما يجعلها فكرة حية ذات كينونة تاريخية، وإن بقيت على مستوى الوعي، فالثورة لا تصبح واقعا إلا عندما تتشكل في الوعي، وإذا كان الواقع الحالي لا يسمح بانتقالها من القوة إلى الفعل بعد الانتكاسة التي تعرضت لها، إلا أنها باقية كفكرة وتنتظر لحظة الإمكان التاريخي.
كاتب سوري