برغم حداثة عهد مفهوم "الحراك المدني" لدى السوريين على نحو عشرة أعوام لا أكثر وبرغم أنّ المصطلح لم يحفر نفسه في أذهان السوريين منذ أمد بعيد، تستعيد التفاصيل التي تكتنف الحراك الثوري المدني هذا المفهوم على نحو مُلح. ينطلق هذا الأمر أساساً من صلة خفية تجمع نقاط التشابه بين الثورة السورية اليوم ضد بشار الأسد والحراك المدني الذي قام في أوائل القرن الحالي بعد تسلم الأسد الابن سلطة الحكم،
بدايةً لا تعريف موحّد للحراك المدني، إذ تختلف تعريفاته من باحث إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر، ولكن يُجمِع الكل على أنه عبارة عن مجموعة من الأشخاص، يقرّرون تنظيم جهودهم لتحقيق هدف معيّن. وغالبًا ما يكون هذا الهدف تحسين الواقع وتحقيق نوع من المساواة الاجتماعية، أو مواجهة ظاهرة قد تكون مسيئة للمجتمع.
العوامل المحرّكة
الحراك لا ينشأ في الفراغ، بل يتحرّك ضمن مجتمع معيّن. هذا المجتمع هو مجال نفسي اجتماعي يتميّز بديناميّة معيّنة هي نتيجة سلوكيات الناس المكوّنين له، والذين غالبًا ما يكون هدفهم إمّا التكيّف مع متطلّبات البيئة أو تحسينها، أو تلبية حاجة معيّنة قد تكون بيولوجيّة أو اجتماعية أو إنسانية لذلك..
المحفزات والظروف الاجتماعية
تؤدّي الظروف الاجتماعية غير المستقرّة وحالات القلق الاجتماعي أحيانًا إلى إثارة حراك مدني. فحين يكون المجتمع في حالة غليان، تغيب المرجعية الواحدة، فيشعر الناس بأن التدابير الاجتماعية القائمة والقوانين والأنظمة المرعية الإجراء في مجتمعهم لا قيمة لها ولا تساعد في تغيير الوضع، الأمر الذي يحرّك ديناميّة سلبيّة ويؤدّي إلى انطلاق سريع للحراك، كذلك يشكّل تغيّر القيم والمعايير مع الوقت، دافعًا لبعض الجمعيات للتحرك ضمن نشاطات خارج النطاق الرسمي قد تتطوّر إلى تظاهرات، خصوصًا في ظل الواقع الحالي للمجتمعات حيث لم يعد الإنسان قادرًا على مجاراة المتطلّبات المادية، وفي ظل تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي في كافة أنحاء سوريا أقدم اليوم ناشطون سوريون في الداخل السوري عصيان مدني في مختلف قرى ومدن محافظة مدينة داعل وانخل والجيزة والكرك الشرقي وسحم الجولان ومدينة الحراك في محافظة درعا ورفعو فيها شعارات تحفيزية للوقوف كتفاً إلى كتف في وجة النظام السوري المنهار اقتصادياً وسياسياً واطلق الناشطون عبارات ضمن حملة #لاشرعية_للأسد_وانتخاباته، #الثورة مستمرة، #نحو العصيان لإسقاط الطغيان، #يسقط_سارق_رغيف_الخبز، #بدنا_المعتقلين، #شرتح_ولا_لمشرشح
مفهوم المجتمع المدني أو الحراك المدني
يرتبط مفهوم المجتمع المدني NGO’s أساساً بالعزلة التامة عن الاصطفاف السياسي، ويرتبط بالقدرة على الإنتاج والعطاء من منظور إنساني بحت. وينطبق هذا التعريف على جميع مؤسسات المجتمع المدني في العالم من الناحية النظرية، بدءاً بأصغر مؤسسة لمحو الأمية في أصغر قرية سورية، وانتهاءً بمنظمات عالمية ضخمة كمنظمة اليونيسيف ووكالة الأونروا ومنظمة اليونيسكو. ولا يمكن لمؤسسات المجتمع المدني أن تصطف سياسياً، إذ تتحوّل بذلك إما إلى حزب سياسي في حال النشاط السلمي.
كانت الظروف البدئية التي رافقت الثورة السورية في مطلع العام 2011 حاضنةً مثالية لقيام نشاط فاعل للمجتمع المدني، وتحت مسميات «الحرية، العدالة الاجتماعية، الكرامة الإنسانية» قامت حركات الاحتجاج ضد سياسة الحكم في سوريا. من هنا كان الظرف مواتياً لشعارات تحمل الصيغة العامة إنسانية الطابع الملائمة لطبيعة الحراك المدني: «الله سوريا حرية وبس».