استمر البرنامج النووي الإيراني حبيس كواليس فيينا مع تصاعد المطالب من كلا الطرفين وارتفاع حدة المفاوضات وموجات فتور لاحقة. الجانب الأمريكي يلمح دومًا للخيارات الأخرى التي يمكن أن يلجأوا إليها، ومنذ أسابيع طويلة وهم يتحدثون عن الخطة B والتي قالوا أنهم ناقشوها مع حلفائهم الإسرائيليين للتعامل مع إيران في حال فشل الخيار الدبلوماسي.. ليطرح سؤال أساسي هنا عن خيارات واشنطن الحقيقية للتعامل مع أي رفض إيراني محتمل لسلّة المطالب.
خطة واشنطن الرئيسة
ببساطة يحاول الأمريكان إقناع إيران بالعودة إلى الاتفاق النووي عام 2015 التي نجحت فيها إدارة أوباما - والتي كان بايدن فيها- بتحقيق اختراقات مهمة في المفاوضات السرية مع طهران وبوساطة عمانية، نجحت بالتوصل إلى اتفاق باركه المجتمع الدولي في يوليو 2015 ليدخل حيز التنفيذ في يناير 2016.
احتفى الأمريكان بهذا الاتفاق الذي وصف بأنه "صفقة تاريخية" سوف تمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، حيث وضعت الخطوط الرئيسية لهذا الاتفاق على الصفحة أنداك جاء فيها: " إن إيران لا تستطيع الوصول إلى إنتاج قنبلة إلا عن طريقتين اليورانيوم أو البلاتونيوم"، وقطع الطريق على قدرة إيران للوصول إلى اليورانيوم و البلاتونيوم الذي يمكنّها من الحصول على سلاح نووي، ليؤكد بيان واشنطن أنه إذا أرادت طهران الحصول على قنبلة فأمامها أحد الأمرين إما أن تحصل على كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب أو أن تطور أجهزة طرح مركزي بعشرات الآلاف يمكنها من تخصيب اليورانيوم بشكل عالي..
لكن وبفضل الاتفاق وفقا لما كُتب على صفحة إدارة البيت الأبيض فإن إيران التي تملك وقتها - قبل يناير2016- ما يكفي من اليورانيوم المخصب لإنتاج ما بين 8 إلى 10 قنابل نووية، لكن سوف يجبرها الاتفاق على التخلص من 98% من هذا المخزون وسوف يجبرها على الالتزام بمستويات تخصيب اليورانيوم عند مستوى أقل من 4% (وهي نسبة أقل بكثير من المطلوب للاستخدام العسكري) وطهران كان لديها في ذلك الوقت 20 ألف جهاز طرد مركزي وستلتزم إيران بتخفيض هذا العدد إلى 6 آلاف جهاز طرد من الجيل الأول الذي يكون بطيء وغير قادر على إنتاج كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب.
اتفاق إدارة أوباما التاريخي رفضه الرئيس السابق ترامب في مايو 2018 واصفاً إياه بأنه أسوء اتفاق في التاريخ وبارك الخروج منه، بعض دول الخليج وإسرائيل واليمين المتطرف بقيادة نتنياهو في حين رفضت قيادات عسكرية وسياسية في إسرائيل خروج ترامب من الاتفاق باعتباره ضار بإسرائيل.. حينها صرّح موشي يلعون، وزير الدفاع الإسرائيلي بمعارضته الاتفاق ولكنه أكد إن الاتفاق سيء وليس مثاليا لإسرائيل لكن الخروج منه بتشجيع نتياهو كان أسوء ووصف خروج ترامب منه بالخاطئ في السنوات العشر الماضية فيما يتعلق بالتعامل مع إيران.
نتائج الخروج من الاتفاق
بسبب خروج ترامب من الاتفاق النووي أصبحت إيران اليوم أقرب إلى إنتاج القنبلة النووية من أي وقت مضى، وهذا ما أكده المتحدث باسم الوكالة الدولية لطاقة الذرية الإيرانية: "أصبحنا نمتلك الآن 25 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% وذلك في شهر نوفمبر الماضي".
الموقف الجديد
يسعى الرئيس بايدن لإعادة التفاوض مع إيران للعودة إلى الاتفاق مع تعديلات يعتقد أنها ضرورية حتى يكون الجميع راضيًا عن الاتفاق والتعديلات؛ كأن يشمل الاتفاق قيود أخرى على القدرات الصاروخية التي يرفضها الإيرانيون ويشترطون بدورهم أمرين:
- رفع كل العقوبات التي يرون أنها فرضت عليهم بشكل جائر من قبل الرئيس السابق ترامب
- والثاني وجود ضمانات من الأمريكي بحال عودتها إلى الاتفاق، لن تجد نفسها في مآزق جديد حين يأتي رئيس آخر في 2024 ويخرج منه.
الخيارات المطروحة
هناك خياران لا ثالث لهما، استمرار سياسات ترامب ونتياهو بالضغوط الاقتصادية على إيران بالإضافة إلى استمرار العمليات التخريبية من خلال الهجمات السيبرانية والإلكترونية على المنشآت النووية الإيرانية، والعقوبات الاقتصادية الضخمة، والتي يأملون منها أن تؤدي إلى غضب واسع بين فئات كبيرة من الشعب الإيراني وبالتالي الثورة على النظام وإسقاطه أو أن يقبل النظام في طهران -خوفاً من الوصول إلى هذه المرحلة- بقبول الشروط الأمريكية والعودة إلى الاتفاق وبشروط معدلة تناسب رؤية أمريكا وإسرائيل وبعض دول الخليج، أو ربما أملًا بأن العمليات السيبرانية المستمرة على المنشآت النووية تظل قادرة على تعطيلها بحيث لاتصل إيران إلى مستوى تطوير سلاح نووي.
البعد الإسرائيلي وموقف واشنطن
من الملاحظ أنه ومنذ 2006 وإلى الآن، هناك نمط لا يتغير من ضغوط إسرائيلية مستمرة على الجانب الأمريكي إلى استخدام القوة لتصفية القدرات النووية الإيرانية حيث تستخدم إسرائيل في ضغوطها على أمريكا ووسائل متعددة منها الإيحاء للأمريكان بأنه إذا لم يتحركوا سوف تتحرك إسرائيل منفردة لضرب إيران، ما يعني أنها سوف تجرّ الولايات المتحدة إلى حرب في توقيت ربما لا تسعى إليه، وفي كل مرة تتعامل أمريكا في الإدارات الأمريكية المختلفة وتتفاعل مع هذا الأمر بشكل مختلف عن الآخر لكن الخلاصة والنتيجة واحدة.
ترفض أمريكا الضغوط الإسرائيلية ويعجز الإسرائيليون عن التحرك منفردين، ومثال على ذلك أول من قاد الجهود الإسرائيلية لتصفية البرنامج النووي الإيراني بالقوة العسكرية كان وزير الدفاع وقتها والذي شغل أيضاً منصب رئيس الوزراء الجنرال "يهود باراك" ولقد كتب في مذكراته "بلدي وحياتي" وقال: إنه كان واضح للإسرائيليين وجود طريقتين اثنتين:
الطريقة الأولى: بأن تقوم أمريكا بضرب القدرات النووية الإيرانية، والثانية: ألا تمنع أمريكا الإسرائيليين من ضرب هذه القدرات.
لكن من وجهة نظره في هذه المذكرات فقد منعت أمريكا الإسرائيليين من التحرك عسكرياً ولم يتحرك الأمريكان عسكرياً أيضاً ورفضوه تماما، مثلاً "جورج بوش الابن" والذي كان يؤمن بالاستخدام المفرط للقوة العسكرية فضربوا في عهده ما اعتقدوا أنه مفاعلًا نوويًا في سورية عام 2007.
صعوبة الخيار العسكري
من وجهة نظر صانع القرار الأمريكي بات الخيار العسكري ضد إيران صعبًا.. واشنطن التي تعلمت الدرس جيدا من حروبها بعد أحداث 11 سبتمبر في العراق وأفغانستان وأدركت أن القوة العسكرية وفارقها الهائل لم يشفع لها ولم ينقذها من التورط في مستنفع العراق وأفغانستان.
وتكبدت الولايات المتحدة خسائر مادية وبشرية في حروبها تلك بلغت 6.4 ترليون دولار وخسرت ما يقارب 7 آلاف جندي أمريكي مجند و8 آلاف جندي متعاقد بالإضافة لأكثر من 30 ألف أمريكي انتحروا بسبب مشاركتهم في تلك الحروب والتجارب التي عاشوها هناك..
لذلك لم تحقق واشنطن هدفها بل أدركت – متأخرة - أنها انشغالها عن الخطر الأكبر (الصين وروسيا) هذا كله يجعل الولايات المتحدة ليست راغبة بتكرار تجربة العراق وأفغانستان في إيران.. وبحال قررت ذلك فلن تكرره بذات التفاصيل على دولة بحجم إيران التي لن تكون أي مواجهة كسابقاتها.. فإيران ذات عدد سكان ضخم 84 مليون نسمة ومساحة مليون وستمئة وأربعين ألف كم مربع والأهم موقعها الاستراتيجي الخطير الذي يتوسط خزانات النفط والطاقة في العالم..
تقاطعات تجعل أي عملية عسكرية على إيران تؤثر على العالم كله دون نسيان أن طهران نجحت في تشكيل شبكة تحالفات في المنطقة فأية حرب معها ربما تشمل منطقة الشرق الأوسط.
لذلك؛ يبقى الخيار الدبلوماسي مفتوح والعودة إلى الاتفاق النووي يرى فيه كلا الطرفين خيارًا أنجع لهما، إيران انهكتها العقوبات وامريكا أيضا لا تريد أن تتورط في حرب جديدة قد تكتب نهايتها أما بقية دول المنطقة فليست ببعيدة هي الأخرى ولا ترغب بأن تكون مسرح لصراع مجهول النهاية والنتائج.