الثورة السورية هي أعز ما يملك معظم الشعب السوري (أستثني بعض الموالين، والمتملقين، والنفعيين، والمتسلقين) لأن الشعب السوري كان سيملك أعز ما يصبو الإنسان تملكه: الحرية. وهذه الكلمة هي أكثر ما يخيف نظام ديكتاتوري، طائفي ، قمعي، يسعى لأن يكون ومن يدعمونه أقل أقلية في مواجهة الأكثرية كي يتسنى له الاستمرارية.
لقد قدم السوريون أعز ما يملكون: دماء أبنائهم، وممتلكاتهم، من أجل هذه الكلمة: الحرية.
واعتقد النظام أن مع سقوط زين العابدين بن علي، ثم سقوط رؤوس أنظمة أخرى كما في لعبة دومينو سيكون محصنا ضد الحرية، وضد الأكثرية، طالما أنه عمل خلال أربعة عقود على “تدجين” الشعب السوري بعد ترويعه في مجازر تدمر، وحماة، وحلب وسواها، ونظام المخابرات المتمرس يرصد كل نأمة تصدر عن أي سوري ، والسجون مليئة بهؤلاء الذين انتهى الأمر بكثير منهم إلى الموت تحت التعذيب.
بالطبع لم يكن هذا التصور صحيحا، بل كان مفاجئا له أن هناك من تجرأ في درعا، مهد الثورة، وخرج ليعلن بصوت عال: ” الشعب يريد إسقاط النظام ” بعد اعتقال أطفال وتعذيبهم، وقتل الطفل حمزة الخطيب، أول أيقونة للثورة، تحت التعذيب. إذن لا بد من سرقة الثورة بوصمها بالتقليعة المعتمدة من قبل كل نظام ديكتاتوري: بالإرهاب.
وكما تنعت دولة الاحتلال والأبارتايد الفلسطينيين بالإرهابيين وتقتلهم جهارا نهارا دون أن يحرك أحد ساكنا، بدأ النظام يقتل “الإرهابيين” السوريين المطالبين بالحرية، وكالساحر الذي يخرج الأرانب من أكمامه، أخرج النظام كل الإسلاميين من سجونه ليكمل فصول المسرحية تحت عنوان الإرهاب.
كل الميليشيات التي انضوت تحت مظلة الإسلام السياسي، أو “التكفيري”، أو “الجهادي” سواء كانت تتبع النظام، أم تتبع دولا خارجية، أو حتى ذاتية التمويل إن وجدت، صبت مياها كثيرة في طاحونة النظام، لأنه اتخذها كذريعة لضرب كل من شكل خطرا على وجوده، وسرقة الثورة، وأولهم الجيش السوري الحر عند انطلاقته وبدء الانشقاقات في جيش النظام.
خلال عامين من المواجهات الشرسة، والمجازر وخاصة الكيميائية منها، كاد النظام أن يهوي كمارد بقدمين من فخار فسارع لطلب النجدة من حليفيه: روسيا وإيران.
نظام الأبارتايد
نظام الأبارتايد هو نظام التمييز بين فئة وأخرى من الشعب على أساس عرقي أو ديني أو أي صفة أخرى، فإذا كان نظام الأبارتايد الذي يطبق في فلسطين على أساس دين وعرق ( وفي الهند، ومينامار)، أو كما كان يطبق في أمريكا وجنوب إفريقيا على أساس اللون، فإن النظام السوري يطبق أبارتايد من نوع آخر على الشعب السوري على أساس موال ومعارض، فمن كان مواليا له الحق في العيش تحت سيطرة النظام في المدن التي دمرها سابقا ويخضع لكل إملاءات النظام، ويتحمل الأزمات، وغلاء المعيشية، وقمع الحريات، وفقدان الكهرباء، والوقوف ساعات بطوابير الخبز والغاز، والمحروقات، ولا يحق له أن يصدر عنه أي احتجاج وإلا فعقابه معروف، والمطلوب من الجميع الصمت بصبر، وكتمان الغيظ وإلا فالعصا الغليظة تتولى أمره.
أما كل معارض يجهر بمعارضته ويستمر في المطالبة بالحرية ويجابه النظام فله شأن آخر: إما أن يصبح لاجئا في زوايا الأرض الأربع ويسكن المخيمات في البلدان المجاورة كتركيا، ولبنان، والأردن، أو يحاول الوصول إلى أوروبا مشيا على الأقدام، أو تهريبا عبر البحار مع خطر ابتلاعه كما حصل مع آلاف السوريين. أو أن يستقل الحافلات الخضر لترحيله قسريا من مدينته وبيته (الذي يتم احتلاله فوريا من قبل الميليشيات الطائفية) إلى آخر معقل للمعارضة: إدلب.
وقد قالها بشار الأسد بالفم الملآن :” الأحداث في سوريا جعلت الشعب السوري أكثر تجانسا” أو بمفهوم آخر أن النظام نجح في سياسة الأبارتايد المعتمدة في عملية توازن بين أكثرية السنة والأقليات ومنها الطائفة العلوية.