بعد ست سنوات من التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا تبدأ موسكو اليوم بجني ثمار ما زرعت في الأرض السورية. فرغم الجفاف والركود والعطالة التي يعاني منها كل الأفرقاء، سواء السوريون أو الأمريكان والأتراك والإيرانيون، يبدو الروس الأوفر حظًا في جني أرباح منتظرة فيما يتجرع الآخرون آلام الخسائر والهزائم.
واليوم موسم الحصاد "المتأخر" بالنسبة للروس، والذي كان ينبغي له أن لا يتجاوز السنتين أو الثلاث على أقصى تقدير مردّه بطبيعة الحال إلى اعتلاء الرئيس دونالد ترامب سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، ووقوفه إلى جانب أصدقائه العرب الذين اعتمدوا عليه في مكافحة التمدد الإيراني في المنطقة، ومنها سوريا، ما انعكس سلبًا على التدخل الروسي في سوريا، وأخّر لأربع سنوات فرصة روسيا في تحقيق مكاسب وأرباح ملموسة لها ولحلفائها، وكان عليها فقط أن تنحني لإعصار ترامب، وقد فعلت، لتنجح في تفادي آثاره وكوارثه، كما نجح السوريون والإيرانيون حلفاؤها.
وبغض النظر عن الأرباح الهائلة التي جنتها روسيا من مبيعات الأسلحة التي جربتها عمليًا في سوريا وحاز معظمها على رضا واستحسان العملاء والمشترين، وزادت العام الفائت فقط على الثلاثة عشر مليار دولار. أو الأرباح التي جنتها من وقْف برامج تصنيع بعض الأسلحة التي ثبت فشلها إثر تجريبها على الأرض السورية أيضًا؛ فإن الأرباح السياسية واللوجستية التي حققتها وتحققها لا تقدر بثمن. ونفس الشيء بالنسبة للأرباح المتوقع جنيها من مشاريع إعادة الإعمار ومشاريع استغلال الثروات المعدنية ومرافق الخدمات كالكهرباء والطاقة والموانئ البحرية التي يتوقع أن تكون دجاجة تبيض ذهبًا يفوق أحلام وتوقعات الساسة الروس.
فقد عادت بقوة إلى المنظومة الدولية كلاعب فاعل ومؤثر بعد تحييد دام لثلاثين سنة إثر انهيار الاتحاد السوفييتي وخروجه من المشهد، واضمحلال الدور الروسي من السياسة الدولية، اللهم إلا من دور شكلي وهامشي، وأحيانًا هزلي تلعبه في مجلس الأمن باعتبارها من الدول ذات حق النقض (الفيتو)، وهو دور لا يخولها أكثر من إلقاء خطب رنانة غالبًا لا يستمع لها إلا ملقوها والفريق المرافق، وها هي اليوم تقف الند للند في وجه الأمريكان والأوروبيين وتفاوض وتساوم مرتكزة على موقع صلب بنته في سوريا. وهو موقع لا يعارضه الأمريكان أو الأوروبيين طالما يصب في النهاية في نفس الاتجاه الذي اختاروه للمآلات السياسية ولنهاية الصراع في سوريا.
أيضا اتخذت موطئ قدم في مياه البحر الأبيض المتوسط، وعادت إلى إحدى ضفافه المميزة عقب خروج مخزٍ في السابع من تموز 1972 بعد أن طرد الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات الخبراء الروس الذين زاد عددهم على سبعة آلاف خبير من الأراضي المصرية إثر اكتشافه تورطهم في حماية إسرائيل بدلًا من مساعدة مصر على حماية سمائها على مدى خمس سنوات، وتملصهم من اتفاقات وصفقات أسلحة دفاعية متطورة.
وها هم الروس اليوم يعودون عبر بوابة سوريا، ليس لحمايتها أو حبًّا فيها؛ بل لحماية نظامها التابع والموالي لهم، وحماية الأقليات التي يهمّهم أمرها كالروم الأرثوذكس والدروز، وأيضا حماية إسرائيل التي تتنافس العديد من دول العالم، خصوصًا الدول الكبرى لحمايتها وضمان استمرار وجودها على الأرض العربية الفلسطينية. وقبل ذلك وبعده حماية الاستثمارات الاقتصادية التي مُنحت لهم والتي لا يمكن لهم الاستمرار فيها أو جني أرباحها إلا بوجود قوة عسكرية هائلة ونوعية على الأرض وفي الجو والبحر.