هل تسعى إيران لاستعادة نفوذها في سوريا عبر نشر الفوضى؟

السوري اليوم
الاثنين, 12 مايو - 2025
صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

مثّل سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 ضربة استراتيجية قاسية لإيران، أنهت عقوداً من النفوذ السياسي والعسكري لطهران في قلب بلاد الشام. فقد شكّلت سوريا، لعقود، حجر الزاوية في “محور المقاومة”، وكانت حلقة الوصل الأهم بين إيران وحزب الله، ومركز عمليات رئيسي في صراعاتها بالوكالة مع إسرائيل.

لكن مع سقوط الأسد وصعود حكومة جديدة بقيادة أحمد الشرع، وجدت إيران نفسها أمام واقع جديد يتطلب إعادة تموضع وتقييم شامل لاستراتيجيتها في سوريا، وسط تذبذب واضح بين التهديدات العلنية، والدبلوماسية الحذرة، ومحاولات خفية لزعزعة الاستقرار.

ردود متباينة من طهران: بين التهديد والانفتاح

في خطاب ألقاه المرشد الإيراني علي خامنئي في 10 مايو 2025، وصف تحركات الحكومة السورية الجديدة بأنها “علامة ضعف”، ملمّحاً إلى احتمال انهيارها القريب. هذا الموقف عكس بوضوح حجم الإحباط الإيراني بعد خسارة أحد أهم حلفائها في المنطقة.

ورغم التصعيد اللفظي، التزمت إيران حتى الآن بعدم التواصل المباشر مع دمشق الجديدة، مفضّلة مراقبة المشهد وتقييم الموقف من موقف سوريا تجاه إسرائيل ومحور المقاومة، وهو ما سيحدد – حسب تصريحات مسؤولين إيرانيين – طبيعة العلاقة المستقبلية بين الطرفين.

استراتيجية مزدوجة: الدبلوماسية الناعمة والفوضى الخشنة

أظهرت السياسة الإيرانية في سوريا بعد الأسد تناقضاً واضحاً: وزارة الخارجية استخدمت لهجة تصالحية، بينما تبنى الحرس الثوري خطاباً أكثر حدة، ملوّحاً باستخدام الفوضى كوسيلة لاستعادة النفوذ. وفي هذا السياق، أُوفد مبعوث إيراني غير رسمي إلى دمشق في يناير 2025، في محاولة لفتح قنوات خلفية رغم التوتر السياسي.

تهديد إيران بقطع العلاقات في حال تقارب سوري-إسرائيلي، يتزامن مع انفتاح حذر على حكومة سورية ديمقراطية لا تعادي طهران بشكل مباشر. ويبدو أن طهران تراهن على أن الغرب لن يرفع العقوبات بشكل كامل، ما قد يدفع دمشق للعودة إلى المحور الإيراني الروسي، ولو جزئياً.

أدوات التأثير: الفوضى عبر الوكلاء

تحاول طهران استغلال هشاشة الدولة السورية الجديدة وضعف سيطرتها على كامل الأراضي، من خلال دعم ثلاث قوى رئيسية: فلول “داعش”، حزب العمال الكردستاني، وقوات موالية للنظام السابق متمركزة في لبنان والعراق. كما تنسق مع حزب الله والميليشيات العراقية لإثارة اضطرابات أمنية، خاصة في مناطق الساحل السوري والحدود.

لكن هذه المحاولات تصطدم بتحديات كثيرة، أبرزها تمسك الحكومة الجديدة بالسيادة الوطنية ورفضها لأي تدخل خارجي، إضافة إلى الضغط الأميركي للإبقاء على تصنيف الحرس الثوري وحزب الله كمنظمات إرهابية، والغضب الشعبي السوري من الدور الإيراني خلال سنوات الحرب.

نفوذ يتلاشى أم يعيد التكيف؟

رغم محاولات طهران للعودة إلى الساحة السورية، فإن المؤشرات توحي بأن زمن الهيمنة الإيرانية المطلقة قد ولّى. فالدعم الإقليمي القوي من الدول العربية وتركيا، وتراجع قدرة حزب الله وحماس، وانكفاء العراق عن لعب دور المنصة الإيرانية، كلها عوامل تحد من مساحة المناورة الإيرانية.

تسعى الحكومة السورية الجديدة إلى صياغة سياسة خارجية متوازنة، قائمة على الانفتاح والتعدد، دون الارتباط بمحاور إقليمية محددة. وأي محاولة إيرانية لزعزعة الاستقرار ستُواجه برد حازم من الداخل والخارج على السواء.

خلاصة: إيران في مأزق استراتيجي

انتهى عصر اليد الطولى لإيران في سوريا. واليوم، بات مستقبل نفوذها مرهوناً بقدرتها على التكيف مع واقع إقليمي جديد تحكمه أولويات دمشق، لا طموحات طهران.