ليبراسيون: هند قبوات.. وزيرة نسوية و“متفائلة بحزم”

الأحد, 20 أبريل - 2025
وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية هند قبوات
وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية هند قبوات


في مقابلة خصّت بها صحيفة ليبراسيون الفرنسية، قالت هند قبوات، وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل في الحكومة السورية الانتقالية – وهي المرأة الوحيدة في الحكومة، وهي مسيحية – إنها لم تتردّد لحظة عندما عُرض عليها دخول الحكومة، وخاصة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، حيث يمكنها متابعة العمل الذي تقوم به منذ سنوات في المجتمع المدني، إلى جانب الناس الأكثر حاجة: البسطاء والمهمشين والنساء، على حد تعبيرها.
صحيفة ليبراسيون، أوضحت أن هند قبوات أظهرت منذ تسلمها منصبها أنها لم تأتِ لمجرد التقاط صورة مع الحكومة الجديدة.. من أول قراراتها إعادة مئات الموظفين في وزارتها الذين تم فصلهم تعسفياً بعد استلام هيئة تحرير الشام للسلطة. وكان أول لقاءاتها مع عائلات ضحايا الحرب الأهلية والمعتقلين، قبل أن تستقبل الوفود الأجنبية الزائرة، من بينها مبعوث فرنسا الخاص.
تقول قبوات إنّها احتجّت علناً في أول اجتماع وزاري وقالت إنه من غير الطبيعي ألا يكون هناك المزيد من النساء في الحكومة، مؤكدة أنها وُعدت بأن تكون هناك تعيينات أخرى في مناصب مهمة
تقول السيدة السورية الكندية، التي كانت ناشطة في المعارضة السورية منذ عام 2011، إنّها احتجّت علناً في أول اجتماع وزاري وقالت إنه من غير الطبيعي ألا يكون هناك المزيد من النساء في الحكومة، مؤكدة أنها وُعدت بأن تكون هناك تعيينات أخرى في مناصب مهمة.
وتوضح صحيفة ليبراسيون أن هند قبوات هي مؤسسة مشاركة في عام 2015 لمنظمة “تستقل”، وهي منظمة غير حكومية نسائية تعني باللاعنف والحوار لحل النزاعات. وانطلقت ابنة البرجوازية الدمشقية في طريق سوري مختلف تماماً عن خلفيتها، حيث كانت تتوجه بانتظام إلى منطقة إدلب الريفية والمحافظة، التي كانت تحت سيطرة مقاتلي هيئة تحرير الشام، لتنظيم دورات تدريبية للنساء. تقول هذه الأخيرة للصحيفة الفرنسية دائما: “كنت أرتدي الحجاب لتسهيل الأمور، لكن في زيارتي الأخيرة بعد التحرير، ذهبت إلى إدلب من دون حجاب”.
عن القادة الجدد في سوريا، تقول الوزيرة الوحيدة في الحكومة الانتقالية للبلاد، التي تم تعيينها أولاً ضمن سبعة أعضاء، بينهم امرأة أخرى، في اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني: “لأنهم يعرفونني ورأوني أعمل لسنوات في إدلب وشمال حلب لصالح المجتمعات المحلية والحوار مع المسيحيين والدروز، فقد استعانوا بي”.
وتتابع: “تم اختيارنا، أنا وهدى الأتاسي، بفضل خبرتنا في الوساطة والحوار السوري – السوري”. وتصف نفسها بأنها “تكنوقراطية متخصصة بالحوار منذ الجامعة”.
يبدو مظهرها وشعرها البني لافتاً في صور الاجتماعات بالمحافظات السورية، وهي تقف إلى جانب خمسة رجال ملتحين، أمام جمهور من الرجال. وعن ذلك توضح: “طبعاً كان صعباً رؤية هذا الجمهور الذكوري بالكامل. لكن من قال إن حياتنا يجب أن تكون سهلة؟ لقد اخترتُ بالفعل الطريق الصعب بالانخراط في الشأن العام، بينما كان بإمكاني أن أكون فقط السيدة قبوات”، تروي الوزيرة التي هي زوجة رجل أعمال وأم لطفلين.
وتضيف: “يجب أن نضحي قليلاً من أجل الوطن. كان بيني وبين هدى تضامن نسائي كامل أثناء التحضيرات. وقد ناضلت لكي يكون ثلث المشاركين في المؤتمر، البالغ عددهم 500، من النساء”، تقول الوزيرة بفخر.
تعرفت هند قبوات لأول مرة على الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع أثناء التحضير للمؤتمر.. وتوضح: “هو يعرفني من خلال عملي في إدلب، وأنا أبقى على طبيعتي في كل الظروف. الأهم أنه يستمع ويمكننا النقاش معه بصراحة. يعرف أن من مصلحة البلد أن نتقدم معاً”. وتضيف عن قادة هيئة تحرير الشام: “اكتشفت فيهم صفات تهمني: اللباقة والاستقامة والتفاني للوطن. وهي ثلاث صفات أساسية. إنهم صارمون، خاصة في المواعيد. إذا كان الاجتماع في الساعة 8:30، يكون الجميع على الموعد. لا هواتف محمولة! لا استراحات تدخين، كما كان الحال في اجتماعات المعارضة في الخارج”، في إشارة إلى تجاربها السابقة كنائبة لرئيس لجنة التفاوض في جنيف.
قبوات: في هيئة تحرير الشام يدركون أنه إذا فشلوا، فستكون نهاية البلاد. الفشل غير مقبول. ويجب أن نقول إنه لولاهم، لما كنا هنا!
تتابع هند قبوات: “هؤلاء الناس في هيئة تحرير الشام يدركون أنه إذا فشلوا، فستكون نهاية البلاد. الفشل غير مقبول. ويجب أن نقول إنه لولاهم، لما كنا هنا! لذا دعونا نأخذ أفضل ما لديهم، فهم طلبوا منا العمل معهم. إنهم يريدون تجنب حرب طائفية، ولا مصلحة لهم في تقسيم البلاد. فلنستفد من ذلك ونتعاون”.
وتؤكد السيدة قبوات أنها تبقى “متفائلة بحزم”، رغم تمييزها الدائم بين “هم” و”نحن”. وإذا كانت “هم” تشير بوضوح إلى القادة الإسلاميين الجدد، فإن “نحن” تبدو أكثر غموضاً، فهي تشمل أحياناً جميع الاتجاهات الأخرى، وأحياناً أخرى الأقلية الديمقراطية الليبرالية من السوريين، وغالباً ما تكون في الخارج، وهي الفئة التي تنتمي إليها الوزيرة.
وتوضح صحيفة ليبراسيون أن هند قبوات أثبتت في السنوات الأخيرة قدرة على التكيف لم تكن متوقعة.. ولدت في الهند حين كان والدها دبلوماسياً هناك في الستينيات، وعادت إلى سوريا لتدرس في مدرسة الراهبات الكاثوليك في دمشق، ثم في “اللاييك”، وهو الاسم الذي يُطلق على المدرسة الفرنسية القديمة التي كان يرتادها أبناء البرجوازية الدمشقية. تقول مبتسمة: “كل شيء يمر، كل شيء ينهار، إلا صداقة الصف!” مستذكرة عبارات عاطفية كتبتها في دفتر قديم، بلغتها الفرنسية المتعثرة.
بعد حصولها على شهادة في الاقتصاد من جامعة دمشق، وشهادة في القانون من الجامعة العربية في بيروت، تابعت دراستها في كندا التي هاجرت إليها مع زوجها عام 1989، ثم في الولايات المتحدة، حيث حصلت على ماجستير في العلاقات الدولية من جامعة “تافتس”. كما التحقت بعدة دورات في التفاوض وحل النزاعات بجامعة هارفارد، وفي الحوار بين الأديان. تؤكد: “حتى قبل اندلاع النزاع في سوريا، كان الحوار والتفاوض مهنتي منذ زمن طويل”.
لكن، إلى أي مدى يمكن أن تكون هذه “الخبرة في الحوار” التي تفتخر بها السيدة هند قبوات فعّالة اليوم، في سوريا الممزقة بعد أربعة عشر عاماً من الحرب الأهلية، وفي وقت ارتُكبت فيه مجازر بحق الطائفة العلوية؟ تتساءل صحيفة ليبراسيون.
تقول الوزيرة السورية: “لقد تأثرت كثيراً بتلك المجازر، وتوجهت إلى بانياس للقاء الناس هناك. رأيت الذعر لدى العلويين، ولكن أيضاً لدى السنة والمسيحيين. يمكننا التحدث عن حالة ذعر سورية عامة، لأننا إذا غرقنا في الحرب الطائفية فلن نخرج منها أبداً”. ومع ذلك، تشير إلى أنه “في عهد بشار الأسد، كان هناك إنكار تام للمجازر، بينما السلطة الحالية أنشأت لجنة تحقيق ولجنة للسلام المدني تعملان بفعالية”.
تتوقف السيدة قبوات فجأة عن الحديث الجاد لتنادي أحد الأقرباء المارين في الفناء (كما تروي ليبراسيون): “هيه! انتظرونا على الغداء. سنأتي حين يصل أخي عمر!” وبعد دقائق، يجتمع عشرة ضيوف حول المائدة العائلية، يتناولون المجدرة (طبق عدس) وسلطة شرقية، وهي قائمة الطعام في الأيام السريعة. تمدح الوزيرة الجديدة الخضراوات والأعشاب العضوية، وهي تقدم الطعام للجميع. وتطلب من ابنها، الذي سيسافر بعد ساعات، أن يُقبّل حفيدتها جيداً. ثم تتحول المناقشة إلى استطلاع نشرته مجلة “ذي إيكونوميست” يشير إلى أن حوالي %80 من السوريين يوافقون على السلطة الجديدة. ويؤكد زوجها أن المسيحيين والسنة يشعرون بالثقة، كما تروي الصحيفة الفرنسية.
وقالت ضاحكة: “الجميع يسألني كامرأة مسيحية، دون أن يعلموا أنني أنتمي لكل الديانات”. وتحكي عن زيارة وفد من الشخصيات المسيحية قبل يومين لتهنئتها بمنصبها الوزاري. “كانوا 12 رجلاً في الصالون، ولا توجد امرأة واحدة. فسألت: ما هذا؟، وتلعثم أحدهم. كانت زوجة أحدهم قائدة لي في الكشافة، فسألت لماذا لم تأتِ. وطالبت بأن أرى نساء في المرة المقبلة. وفي المساء، وصلتني دعوة لاجتماع كتب فيها: ‘نرجو حضور النساء لأنهن يمثلن نصف المجتمع!’”، تضحك.
مصممة على النجاح في وزارة العمل كما نجحت في كل ما قامت به سابقاً، توضح السيدة قبوات أولويتها: “بناء القدرات السورية التي نفتقر إليها كثيراً”. ودون أن تنكر المشاكل الهائلة في البلاد، “وخاصة الاقتصاد الذي ما زال تحت العقوبات، وهذا ترامب الذي يقلقني”، فإنها تتطلع إلى أفق يمتد لأربع سنوات، وهي مدة الحكومة الانتقالية المفترضة. وتكرر: “إذا لم ننجح خلال هذه السنوات الأربع، فإن البلاد ستكون في خطر”، رافضةً التفكير في انهيار الدولة الذي يخشاه جميع السوريين.