في تطور صادم يفضح عمق الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون الفلسطينيون في سجون الاحتلال، داهمت الشرطة العسكرية الإسرائيلية معسكر "سديه تيمان" جنوب فلسطين المحتلة، بعد الاشتباه في تورط جنود احتياط بارتكاب اعتداءات جنسية بحق معتقلين فلسطينيين، أغلبهم من سكان قطاع غزة، وتقول سلطات الاحتلال إنهم ينتمون إلى حركة حماس.
وأكد مراسل "سكاي نيوز عربية" أن المداهمة جاءت بعد وصول أحد المعتقلين إلى المستشفى إثر اعتداء جنسي عنيف تعرض له داخل المعسكر. وقد تصدى الجنود لأوامر الاعتقال ورفضوا تنفيذها، ما أدى إلى حالة من الفوضى داخل المعتقل، وسط انتشار مقاطع مصورة توثق التمرد العسكري واحتشاد نشطاء وسياسيين يمينيين خارج القاعدة دعمًا للجنود المتورطين.
وأفاد الجيش الإسرائيلي أنه فتح تحقيقًا في "انتهاكات جسيمة" بحق أحد المعتقلين، بعد أن أمرت المدعية العامة ببدء الإجراءات، دون الكشف عن تفاصيل إضافية. وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن 10 من جنود الاحتياط يشتبه في تورطهم بالاعتداء على معتقل من وحدة قتالية في حركة حماس.
انتهاكات ممنهجة وتشجيع رسمي
وتأتي هذه الفضيحة في سياق سلسلة من التقارير التي توثق تعرض المعتقلين الفلسطينيين لانتهاكات منهجية في معسكر "سديه تيمان"، وهو قاعدة عسكرية سابقة في صحراء النقب، تستخدمه إسرائيل كمركز لاحتجاز أسرى من غزة، وتزعم أنها بدأت إغلاقه تدريجيًا. منظمات حقوقية، منها جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، نددت بالظروف المزرية والانتهاكات المستمرة داخله.
وبرغم هذه الانتهاكات، أظهرت ردود الفعل الرسمية من حكومة الاحتلال منحى تشجيعيًا ومبررًا لتصرفات الجنود، إذ عبّر وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش عن دعمه للجنود المتورطين، ونشر مقطع فيديو على منصة "إكس" (تويتر سابقًا) قال فيه إن "الجنود يجب أن يُعاملوا كأبطال، وليس كمجرمين".
وشهدت مواقع عسكرية إسرائيلية تصعيدًا خطيرًا، حيث اقتحم مئات المحتجين، بينهم أعضاء من الكنيست، محيط معسكر "سديه تيمان" ومبنى المحكمة العسكرية في "بيت ليد" احتجاجًا على اعتقال الجنود، ما يكشف عن بيئة سياسية واجتماعية تشجع الإفلات من العقاب وتحمي مرتكبي الجرائم بحق الفلسطينيين.
ردود متناقضة تكشف ازدواجية المعايير
ورغم استنكار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت لمحاولات اقتحام المعسكر، جاءت تصريحاتهما محملة برسائل مزدوجة. إذ قال غالانت: "حتى في أوقات الشدة، القانون يطبق على الجميع"، بينما برّر رئيس الأركان هرتسي هاليفي فتح التحقيق باعتباره "يحمي شرف الجيش" و"يحافظ على قيمه".
لكن هذه التصريحات لا تغير من الواقع، حيث تكشف الوقائع الميدانية أن قوات الاحتلال تمارس انتهاكات ممنهجة، وسط تشجيع من أطراف حكومية ونيابية إسرائيلية، مما يؤكد تورط الدولة العبرية بشكل مباشر في خرق القوانين الدولية ومعاهدات حقوق الإنسان.
ضغوط دولية تتزايد
وقد أعادت هذه الأحداث تسليط الضوء على سجل الاحتلال المليء بالانتهاكات، حيث أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في مايو الماضي أنها تنظر في تقارير حول إساءة معاملة معتقلين فلسطينيين، وسط دعوات متزايدة لمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
تُظهر هذه التطورات أن حكومة الاحتلال لا تكتفي بإدارة آلة القتل في قطاع غزة، بل توفر الحماية السياسية والإعلامية لمرتكبي الجرائم خلف القضبان، في انتهاك صارخ لكل المعايير الأخلاقية والقانونية الدولية.