(عن القدس العربي)
تسفي برئيل
البيان الأول الذي وصل “هآرتس” في الأسبوع الماضي كان حاداً وواضحاً. “أتوجه إليك باسم ملايين أبناء الأقلية العلوية. نحن بحاجة إلى مساعدتكم، ونعرف أنكم أملنا. تعالوا إلينا، الملايين ينتظرون وسيقفون إلى جانبكم. نحن بحاجة إلى حمايتكم، لأن الإرهابيين يسيطرون على دمشق وسيهاجمون إسرائيل ذات يوم”. طلب المرسل عدم ذكر اسمه. وأشار إلى أنه من قرية جبلة، وأن سكانها يخافون من سلطة سوريا الجديدة بقيادة أحمد الشرع. بعد ذلك، سيرسل عشرات البيانات ورسائل “الواتساب” اليائسة، التي سيصف فيها رعب العلويين والتنكيل بهم على يد المليشيات التي تقول بأنها تعمل باسم النظام.
سوري آخر، نديم، الذي يعيش في السويداء، كتب للصحيفة: “جماعات جهادية سيطرت على سوريا وقامت بتحرير مقاتليها وكل المتطرفين ليذبحوا أبناء الأقليات. هم لا يخفون كراهيتهم لإسرائيل واليهود. أنتم الشعب الوحيد الذي يمكنه تفهم ما يمر بنا، لأنكم عانيتم أيضاً من المطاردة والتمييز والإبادة على مدى التاريخ”.
بعد بضعة أيام، وصلت من فادي وصوف، رئيس تنظيم اسمه “المراقب السوري لحقوق الأقليات” ورئيس حزب “استقلال ساحل سوريا” أفلام فظيعة تذكر بأيام رعب “داعش” والمذابح. يصعب معرفة متى تم تصوير هذه الأفلام. وحسب أقوال وصوف، الذي يعيش في بريطانيا، فقد تم تصويرها في حمص واللاذقية في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، بعد فترة قصيرة من إسقاط نظام الأسد على يد “هيئة تحرير الشام”.
ظهر في أحد الأفلام إعدام شخص يبدو أنه متهم بالتعاون مع نظام الأسد. قائد الحدث، مسلح ملثم، يجبر المتهم على الركوع على ركبتيه، وضربه على وجهه بسكين طويلة. وفي ثانية تلقى الضحية وابلاً من عشرات الرصاصات التي قتلته. وظهر في فيلم آخر شخص وهو مكبل بعمود وميت. ولكن عدداً من الأشخاص، بينهم أطفال ونساء، يواصلون ضربه بالعصي والحجارة. في أفلام أخرى، رفع المسلحون علم سوريا على جثة مواطن تم شنقه قبل دقائق من ذلك.
الفيلم الذي صور في قرية جبلة، عرض مشهداً مختلفاً: في لقاء في مكان مركزي، تم تجميع مئات السكان، بينهم أطفال ونساء، لسماع موعظة لمسلحين عرضوا أنهم وعاظ. أحدهم وعد بأن “جميع النساء سيرتدين الحجاب رويداً رويداً”، لأن “كل الدولة ستكون إسلامية وتسير حسب الشريعة”، وأن “عيناً موجهة نحو دمشق، وأخرى نحو غزة”. بعد ذلك، قال: “القدس، إن شاء الله، ستعود للمسلمين”.
“اقضوا على حماس وبعد ذلك على إخوتهم الذين يحكمون سوريا”. يبدو أن الكاتب يعرف جيداً نقطة ضعف إسرائيل. وأضاف تحذيراً: “إذا تركتمونا وحدنا فإن إيران ستمد يدها لنا. جميعنا نكره إيران. لا تسمحوا لها بنشر نفوذها هنا”.
حسب ملابس الوعاظ واللغة العربية التي يتكلمونها، يبدو أن الأمر يتعلق بمقاتلين أجانب، ليسوا سوريين، بضعة آلاف المقاتلين الذين انضموا إلى قوات “هيئة تحرير الشام” في سنوات الحرب. انضم بعضهم للقوات عندما كان اسمها “جبهة النصرة” بعد الانفصال عن القاعدة. تصفية الحساب مع الذين عملوا مع نظام الأسد ومع من تعاونوا معه كانت متوقعة. يدور الحديث عن آلاف الضباط والجنود والموظفين ورجال الأعمال، الذين استفادوا من تقربهم من النظام. اعتقل الآلاف منهم، وسيعتقل الكثيرون – إذا لم ينجحوا في الهرب من سوريا. ولكن في حالة الطائفة العلوية التي يبلغ نسبة أبنائها بين 10 – 12 % من السكان والتي تعد عائلة الأسد محسوبة عليها، يدور الحديث عن مطاردة “طائفة متهمة” يجب قمعها ومحاسبتها.
“ربما 1 في المئة من أبناء الطائفة عملوا من أجل النظام وتعاونوا معه”، قال وصوف في محادثة مع “هآرتس”. “لكن الطائفة كلها عانت من النظام مثل معظم مواطني الدولة، وهي الآن تتعرض لخطر على حياتها”. الشرع في الحقيقة سارع إلى إطلاق وعود تفيد بأن النظام الجديد، عندما يتشكل، سيحافظ على حقوق الأقليات والنساء – هو نفسه انفصل في العام 2016 عن القاعدة، لكن ليس واضحاً إذا كان، إلى جانب ارتداء الملابس الغربية بدلاً من ملابس المليشيا، قد تنازل عن أيديولوجيته الراديكالية التي تربى عليها.
العلاقات التي بدأ الشرع في إقامتها مع الدول الغربية حتى الآن لا تبدد التخوفات والتشكك في نواياه. وضمن أمور أخرى، التقى مع ممثلين ووزراء خارجية من دول أوروبية، والولايات المتحدة، والسعودية، وقطر والإمارات. وحتى إنه نشر بيانات مصالحة، التي استهدف بعضها تهدئة إسرائيل وحتى دعوة يهود سوريا للعودة إلى وطنهم. قرار تعيين عدد من رؤساء المليشيات التي شكلت “هيئة تحرير الشام” في مناصب رفيعة برتبة جنرال، يتم تفسيره في القيادة كجزء من جهود الشرع لإخضاع المليشيات إلى قيادة مركزية واحدة لمنع نشاطات مستقلة قد تفشل طموحاته إلى توحيد السلطة.
لكن حسب التقارير الواردة من الميدان، يبدو أن بعض هذه المليشيات ما زالت تعمل بشكل مستقل، وهي حتى الآن لم توافق على نزع السلاح والخضوع لتعليمات السلطة المركزية. وحسب “المراقب السوري لحقوق الإنسان”، فإن هذه المليشيات هي المسؤولة عن القتل المتوحش لحوالي 150 شخصاً علوياً، لا سيما في حمص وحماة، منذ إسقاط نظام الأسد في 8 كانون الأول. السيطرة على هذه المليشيات تعدّ أحد التحديات العسكرية الموجودة على طاولة الشرع. في هذه الأثناء، هو منشغل في إيجاد حل سياسي وعسكري لمكانة القوات الكردية في شمال سوريا، ومكانة الدروز في جنوب الدولة. الدروز والأكراد يعلنون دعمهم لـ “وحدة الدولة”، لكنهم في الوقت نفسه، يطالبون بحكم إداري وثقافي، وحتى خلق كانتونات منفصلة. بدون تفاهم واتفاق مع هذه الأقليات الإثنية، فإن الشرع قد يشاهد اندلاع حرب أهلية جديدة، هذه المرة ضده.
في الوقت الحالي، حتى الأقلية العلوية التي تعيش في معظمها في محافظات الساحل غربي سوريا، وبعضها في حمص، تطالب بإقامة كانتون للحكم الذاتي – بمساعدة إسرائيل إذا أمكن ذلك. “بعد أن حققتم اتفاق إعادة المخطوفين، عودوا لسحق حماس”، كتب للصحيفة العلوي من جبلة. “هؤلاء هم الإرهابيون أنفسهم الذين حاربونا في مخيم اليرموك للاجئين قرب دمشق، وفي أرجاء سوريا. هم مسلحو أبو محمد الجولاني، الذي يحكم سوريا الآن. هم وحماس مصنوعون من المادة نفسها. اقضوا على حماس وبعد ذلك على إخوتهم الذين يحكمون سوريا”. يبدو أن الكاتب يعرف جيداً نقطة ضعف إسرائيل. وأضاف تحذيراً: “إذا تركتمونا وحدنا فإن إيران ستمد يدها لنا. جميعنا نكره إيران. لا تسمحوا لها بنشر نفوذها هنا”.
هآرتس 21/1/2025