قال الزعيم الروحي لدروز سوريا حكمت الهجري، لـ«القدس العربي»: إن الملف المستعجل المطلوب إنجازه هو الدستور وبعده وعلى ضوئه يتم بحث باقي الأمور، موضحا أن النظام اللامركزي هو نظام حكم قد يحدده الدستور القادم ليبقى الجميع تحت إدارة سورية واحدة، ودعا الحكومة الانتقالية إلى تقديم صور حقيقية عن أعمالها، وكونها انتقالية لا يجب أن تتدخل وتلغي وتغير حتى يستقر الوضع.
وحول المخاوف من الأسلمة، عبر عن أمله ألا تستمر هذه المخاوف، أن تكون الأقوال والوعود في المدنية وإعطاء الشعب بكل أطيافه حقوقه، وألا تكون مجرد إعلانات لكسب التأييد الدولي فقط، وإن لم يقترن القول بالفعل فنحن في مرحلة عودة إلى سياسات الحكم نفسها البائد بصورة جديدة، تحمل في مضمونها أصولية لا تتناسب مع أطياف شعبنا
هنا نص الحوار
■ اتهم النظام البائد (بشكل صريح عبر إعلامه) الحراك الثوري في السويداء أنه كان مدعوما من إسرائيل بقصد «ضرب الوحدة الوطنية في البلاد» حسب زعمه، ما هو ردكم؟
□ اعتاد النظام البائد على التخوين بكل الطرق وبأعلى المصطلحات، وهذا الاتهام بالذات كان محاولة لمصادرة الروح الوطنية عند أهلنا، والتاريخ يشهد لأهلنا بالرجولة والمواقف الوطنية التي ليس لها موجه إلا أصالتنا وكرامة أهلنا ومعاناتهم.
■ حذرتم سابقا أبناء السويداء من التعامل مع الميليشيات الإيرانية ولاقت هذه التحذيرات استجابة من الأهالي هنا، ما أهداف إيران البعيدة من محاولات التدخل في شؤون أهالي السويداء؟ وماهي أبرز المخاطر التي كانت تشكلها إيران على المجتمع الدرزي خاصة وسوريا عامة؟
□ شعبنا واع ومسؤول، وصحوته دائمة، وقد رأى كل ما حصل، ولم يحتج لتفسير تحركات الميليشيات الإيرانية، التي لم تستح بإعلانها للجميع بكل فظاظة، عن إدخال السيارات المهربة، ونشر فوضى السلاح، وتسويق المخدرات، وتسهيل صناعتها ودعم العصابات، فضلا عن محاولات التغيير الديموغرافي للسكان والمناطق، ولكن أهلنا في المنطقة، حاولوا التعامل مع ذلك بحذر، ونأسف أن بعض الشباب انساقوا لفترة أمام المغريات المادية، ولكن التمادي في الخطأ يعجل بإسقاط المخطئين.
أكد على أولوية إنجاز دستور… وتحدث عن الميليشيات الإيرانية والسلاح والمخدرات
■ تتوارد أنباء بين الحين والآخر أن أهالي السويداء يريدون تشكيل حكم ذاتي للحفاظ على خصوصيتهم، إن كان ذلك صحيحاً هل ترون أن هذه المطالب محقة، وما هو ردكم على ذلك؟
□ المناداة من السويداء وأهلها دوما هي وحدة سوريا أرضا وشعبا، وهذه الأنباء التخوينية أيضا كانت من إساءات النظام البائد التي كان يستخدمها ليحارب بها حراك أهلنا وثورتهم.
■ ما المقصود بـ«خصوصية المجتمع الدرزي» وما معنى هذا التعبير بشكل دقيق؟ هل المقصود خصوصية دينية؟ أم ثقافية تتعلق بالعادات والتقاليد؟ أم اجتماعية؟ أم ماذا؟
□ لا يوجد عندنا مصطلح اجتماعي شامل كمجتمع درزي؛ فالمجتمع الدرزي يتمتع بأصالة مجتمعات العشائر العربية الأصيلة، وتقاليدنا عربية أصيلة، وطقوسنا الدينية الإسلامية أمر خاص، لكن ليس بعيدا عن الأصول الإسلامية السمحاء، ونحن عائلة واحدة ضمن كل ذلك نشكل خيطا من خيوط النسيج السوري.
■ هل هناك من مخاوف في الأوساط الدرزية من اختراق هذه الخصوصية (إن صح التعبير) من أي طرف كان؟
□ من الطبيعي أن يحاول أي دخيل التعرف على الخصوصية، ولكن طبيعة مجتمعنا منفتحة على الجميع، وتستوعب الجميع، ونرحب بالجميع، وأسسنا متينة، نبادل بالمحبة، ونرتجي منهم المحبة، ومن يحاول الإيذاء والإساءة لا يسلم منا، فرجالنا يكرهون الضيم ولا يقبلون الخطأ.
■ هل تعتقدون أن سوريا تحتمل فدرلة أو حكما ذاتيا أو لامركزيا في بعض المناطق؟
□ سوريا موحدة واحدة بكل ألوانها وأطيافها البشرية والدينية، وكل محافظة تحمل كل أصناف المكونات، ولن تجد محافظة واحدة فيها صنف واحد، لذلك فلا مجال للتفرد والحكم الذاتي، أو غير ذلك من أفكار انفصالية، وكل المحافظات تكمل بعضها بتوزيع الثروات، والنظام اللامركزي هو نظام حكم قد يحدده الدستور القادم ليبقى الجميع تحت إدارة سورية واحدة، وفق رؤية ومشيئة الجماهير والشعب المخلص لبعضه.
■ ما هي رؤيتكم لسوريا الجديدة، وما هو الدور المأمول من الشخصيات المؤثرة لدى كافة أطياف المجتمع السوري للنهوض بالبلاد؟
□ الرؤية السورية للشعب السوري دوما هي الرؤية الأفضل، فشعبنا يستحق أن يعيش بحرية وكرامة من خيرات بلاده، وبمحبة أهله لبعضهم البعض، ضمن مجتمع مدني حضاري متحضر بعيدا عن التخلف، وبعيداً عن أي منظور أصولي أو سلفي أو سياسي مهما كان نوعه، فحرية الفكر ومدنيته هي وسيلة الشعب للتقدم والتطور والعطاء والتطور.
كل الطوائف بدءا من السنّة وانتقالا إلى الدروز والشيعة وكل الأطياف والأديان في سوريا ترفض التطرف
■ ما هي في رأيكم أهم الملفات التي يجب أن تمنحها الإدارة السياسية الجديدة في البلاد أولوية للعمل عليها بشكل مستعجل؟
□ لا توجد حتى الآن إدارة سياسية سورية جديدة؛ فالموجودون حاليا هم بصفة مؤقتة لتسيير الأعمال ولإيصال وتنفيذ الانتقال السلمي للسلطة لتصبح بيد الشعب بمؤسسات وحكومة تمثل الجميع، وصياغة دستور بإجماع كل السوريين، فالملف المستعجل المطلوب إنجازه هو الدستور وبعده وعلى ضوئه يتم بحث باقي الأمور.
■ زاركم قبل أيام ممثلون عن الإدارة السياسية الجديدة، ماذا كان الهدف من هذه الزيارة، وهل ناقشتم مطالب خاصة؟
□ يجب أن تكون أهداف كل الزيارات هي المستقبل السوري الأمثل، والمطلوب من الحكومة الانتقالية، هو الصدق والمصداقية في البحث والقول والعمل، ولا مجال للالتفاف ومحاولات الاختراق، ولا بأي وسيلة فطلباتنا واضحة، ونحن من مكونات الشعب السوري، وكل الجماهير السورية لديها الأمل نفسه بالحرية في كل شيء؛ من الحريات الشخصية إلى حرية المعتقدات والحرية السياسية.
■ هل لديكم مخاوف من أسلمة الدولة السورية مستقبلاً؟ خاصة أن بعض أطياف المجتمع عبرت بشكل صريح عن هذه المخاوف، على الأقل، في الفترة الحالية؟
□ نأمل ألَّا تستمر هذه المخاوف، ونأمل أن تكون الأقوال والوعود في المدنية وإعطاء الشعب بكل أطيافه حقوقه، وفق ما ذكرناه في الجواب أعلاه، وألَّا تكون مجرد إعلانات لكسب التأييد الدولي فقط، وإن لم يقترن القول بالفعل فنحن في مرحلة عودة إلى سياسات الحكم نفسها البائد بصورة جديدة، تحمل في مضمونها أصولية لا تتناسب مع أطياف شعبنا كلها دون استثناء، وكل الطوائف بدءا من السنة وانتقالا إلى الدروز والشيعة وكل الأطياف والأديان في سوريا ترفض التطرف.
■ ما هو مصدر هذه المخاوف، وهل تجدونها منطقية أم أنها مبالغ بها؟
□ المخاوف مصدرها الوقائع والأحداث والتصريحات وكل ما يحصل، ويجب أن تقدم الحكومة الانتقالية صورا حقيقية عن أعمالها، وكونها انتقالية لا يجب أن تتدخل وتلغي وتغير حتى يستقر الوضع، وحتى تتضح صيغة الدولة لأنه حتى التواصل معهم مبهم، وتواصلهم غير واضح، وأقوالهم مناقضة لأعمالهم، نواجه أشكالا من الحيلة والتصرفات الفردية وعدم التجاوب مع الطلبات بحجج غير منطقية.
■ هل يوجد انسجام في رؤى الزعامات والشخصيات الفاعلة الدرزية سواء في سوريا أو في لبنان بما يتعلق بأوضاع المجتمع الدرزي في المنطقة؟
□ نحن لا نتدخل بهم سياسيا، وهم لا علاقة لهم بنا سياسيا، وحين يلزم الأمر سيتم التواصل المباشر إن كانت هناك حاجة.
■ دعوتم منذ بداية الثورة السورية عام 2011 مرات عديدة إلى حوار وطني لحقن الدماء في البلاد، من هي الأطراف التي كانت تعرقل هذه الدعوات، وما أهدافها من ذلك؟
□ منذ بداية الثورة كانت السويداء ملاذا آمنا لكل العائلات والأهل من باقي المحافظات وحفظناهم كأهل لنا، وكان عنواننا هو السلام ودم السوري على السوري حرام، لذلك فقد دعونا أبناءنا ضباطا وجنودا لعدم تلطيخ أيديهم بدماء إخوتهم السوريين، وحين تمت مهاجمة المحافظة من «الدواعش» انسحبت كل قوات النظام في حينه، فحماها أبناؤها وقدمنا عددا كبيرا من الشهداء الأبرياء. وأي عرقلة للسلم والسلام كانت عن طريق الفاسدين في الدولة آنذاك، إضافة لدور الجهات الأمنية الديكتاتورية الفتنوية.
الحكومة الحالية كونها انتقالية لا يجب أن تتدخل وتلغي وتغير حتى يستقر الوضع وحتى تتضح صيغة الدولة
■ يرى متابعون أن نظام البعث كان يعتمد على تخويف أطياف المجتمع السوري من بعضها البعض، وذلك بقصد تفريقهم وعدم انسجامهم مع بعضهم البعض. لماذا اعتمد النظام البائد برأيكم على هذه السياسة، وهل تجد أنه نجح في تحقيقها ولو جزئيا؟
□ نعم كان يتم ذلك، فالنظام كان يستغل اختلاف الأطياف والمذاهب والأديان والمجتمعات بشكل سيء، لكي يفرض سلطته على مبدأ فرق تسد، معتمداً على وضع الناس بمواجهة بعضهم بعضا لإلهائهم عنه وعن فساده. ونعم نجح بذلك لأنه كان يوظف ويختار السيئين من أصحاب الأنفس الضعيفة مع إحلال التخويف والتخوين لخلق التابعين له. وقد نجح النظام بذلك والدليل هو العقود الستة التي استطاع فيها فرض سطوته على سوريا وشعبها.
■ نجح نظام البعث في سوريا في خلق «تنميط ثقافي» لكل طيف من أطياف المجتمع السوري، والأدهى من ذلك أن هذا التنميط كان يُنسج حوله مبالغات تصل لحد الأساطير، مما شكل نظرة سلبية تجاه الآخر المختلف دينيا أو عرقيا، فهل تستطيع الأجيال القادمة في سوريا تجاوز هذه الحالة خاصة بعد تكشف فظاعة المجازر التي ارتكبها الأسد بحق جميع السوريين؟
□ الشعب السوري مثقف وواع، ولكنه اعتاد الخوف والرعب، وقد رأى العالم سطوة الظلم والعذاب من خلال السجون ومآسيها، لذلك فلا خوف على الشعب، ولكن علينا في البداية تجاوز أي تنميط ديني أو ثقافي لأي لون آخر.