في تطورات متسارعة تشهدها الساحة السورية، تصاعدت حدة التوترات الأمنية في محافظة طرطوس الساحلية، وذلك بعد مقتل 14 عنصراً من قوات الأمن التابعة للإدارة السورية الجديدة في كمين نُصب لهم من قبل ما وُصِف بـ"فلول النظام السابق". يأتي هذا التصعيد في ظل مخاوف متزايدة من محاولات إيرانية للعبث بأمن واستقرار سوريا، مستغلةً نعرات طائفية خلفها نظام الأسد البائد.
أفادت مصادر محلية، بأن 14 عنصراً من قوات الأمن السورية التابعة للإدارة الجديدة قتلوا، وأصيب 10 آخرون، في كمين نُصب لهم في ريف محافظة طرطوس. وقد أعلنت وزارة الداخلية السورية، في بيان صحفي نقلته وكالة الأنباء السورية (سانا) في وقت متأخر من مساء أمس، أن "العناصر كانوا يؤدون مهامهم في حفظ الأمن وسلامة الأهالي، عندما تعرضوا للهجوم".
واندلعت الاشتباكات في ريف طرطوس، تحديداً في قرية خربة المعزة، أثناء محاولة قوات الأمن اعتقال الضابط السابق في جيش الأسد، محمد كنجو حسن، الذي يشتبه بتورطه في جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان، وتحديداً في سجن صيدنايا سيئ السمعة. ووفقاً لما نقلته "السورية نت" عن مدير "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا إن "اللواء كنجو" كان يتقاضى مبلغاً يصل إلى حدود 30 ألف دولار أمريكي من أجل السماح للأهالي بزيارة المعتقل، وقد شغل كنجو حسن مناصب رفيعة في القضاء العسكري التابع للنظام السابق، ويُعتبر أحد المسؤولين الرئيسيين عن إصدار أحكام الإعدام التعسفية بحق آلاف السجناء في صيدنايا.
في سياق متصل، شهدت مدن سورية أخرى، مثل حمص، مظاهرات واحتجاجات على خلفية انتشار مقاطع فيديو قديمة تظهر اعتداء على مقام ديني للطائفة العلوية في حلب، وأوضحت وزارة الداخلية السورية أن هذه المقاطع قديمة، وأن الهدف من إعادة نشرها في هذا التوقيت هو إثارة الفتنة الطائفية وزعزعة الاستقرار. وعلى إثر هذه الأحداث، فرضت السلطات حظر تجول ليلي في حمص، في محاولة للسيطرة على الوضع المتدهور.
وأعلنت وزارة الدفاع السورية، أن تعزيزات عسكرية وصلت إلى مدن الساحل والشريط الحدودي مع تركيا، بهدف الحفاظ على الاستقرار. وأشارت المصادر إلى أن قوات الوزارة تقوم بعمليات تمشيط في ريف طرطوس، وسط اشتباكات مع من وصفتهم بـ"فلول النظام". كما ذكرت وكالة الأنباء السورية (سانا) أن قوات إدارة العمليات العسكرية ووزارة الداخلية أطلقت عملية أمنية في ريف طرطوس، لملاحقة ما سمته "فلول ميليشيات الأسد".
تأتي هذه التطورات في أعقاب انهيار نظام بشار الأسد وسقوطه في 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري، على يد قوات المعارضة السورية بقيادة "هيئة تحرير الشام"، حيث شهدت سوريا منذ عام 2011 صراعاً دامياً أودى بحياة مئات الآلاف، وشرد الملايين، وتسبب في دمار واسع النطاق، هذا الانهيار، الذي وصفه البعض بالزلزال السياسي، لم يترك سوريا وحدها في مهب التغيرات، بل أطاح كذلك بنفوذ إيران الذي ترسخ على مدى سنوات طويلة من التدخل المكلف والدعم المتواصل حيث لعبت إيران دوراً محورياً في دعم نظام الأسد طوال فترة الصراع، واستخدمت سوريا كمنطقة نفوذ في مشروعها الإقليمي.
وبعد سقوط الأسد، بدأت إيران في استيعاب حجم الضربة الإستراتيجية التي تلقتها في سوريا، وفقدانها لأهم حلفائها في المنطقة، وقد أظهرت طهران في البداية إشارات متضاربة بشأن علاقاتها مع حكام سوريا الجدد، حيث دعت في بيان لوزارة خارجيتها إلى "إنهاء الصراعات العسكرية وبدء حوار وطني"، معربةً عن استعدادها لـ"المساعدة على إرساء الأمن والاستقرار"، وفقاً لما ورد في البيان.
إلا أن هذه التصريحات "الإيجابية" سرعان ما تبدلت بتصريحات أخرى أكثر تشدداً، حيث وصف المرشد الإيراني علي خامنئي، في خطاب له، من وصفهم بـ "مثيري الفوضى"، بأنهم مدعومون من قوى أجنبية، وأنهم يستغلون "الضعف الداخلي في سوريا" لإثارة الفوضى. وقد صرح وزير الخارجية الإيراني، بأن الوضع في سوريا "لا يزال غير مستقر"، وأن "التطورات المستقبلية ما زالت كثيرة"، مما أثار تساؤلات عدة ومخاوف من تدخل إيراني مباشر في الشأن السوري.
في سياق متصل، أدلى وزير الداخلية السوري الجديد، محمد عبد الرحمن، بتصريحات، تعهد فيها بـ"الضرب بيد من حديد" لكل من "تسول له نفسه العبث بأمن سوريا وحياة أبنائها"، وذلك في بيان رسمي نشرته وزارة الداخلية على صفحتها في "فيسبوك"، وقد أكد عبد الرحمن أن "الوزارة قدمت اليوم مثالاً في التضحية والفداء للحفاظ على أمن سوريا واستقرارها وسلامة أبنائها".
من جهة أخرى، دعا شيوخ ووجهاء من الطائفة العلوية، في بيانات رسمية مصورة نقلها "التلفزيون العربي"، أبناء الطائفة إلى التهدئة وعدم الانجرار وراء الشائعات. كما دعا وجهاء من محافظة اللاذقية إلى "إخماد الفتنة" وقطع الطريق "على النظام البائد في إثارة النعرات الطائفية" بين السوريين.
ومؤخراً صرَّح محسن رضائي، عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، حسبما نقلته وكالة أنباء "إيسنا" الإيرانية: "إن الشباب والشعب السوري المقاوم لن يصمتوا أمام الاحتلال والعدوان الخارجي، أو أمام محاولات التفرد الداخلي من قبل أي جماعة". مضيفاً، "خلال أقل من عام، سيبعثون المقاومة في سوريا بشكل جديد".
تشير التصريحات الإيرانية المتضاربة، والأنشطة المريبة لبعض الميليشيات الموالية لها، إلى أن طهران قد تكون لديها خطط بديلة في سوريا، بعد سقوط حليفها. إذ قد تستغل إيران حالة الفوضى لدعم جماعات مسلحة لخدمة مصالحها، مما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة في البلاد.
ويبقى السؤال المطروح هو: هل تسعى إيران لـ "خلق هذه الفوضى" وإشعال فتيل صراع جديد في المنطقة؟