تشهد تجارة الدولار المجمد رواجاً كبيراً في مناطق سيطرة النظام، حيث يسهل ضعف البنية المصرفية وانتشار الفساد والفلتان الأمني على الشبكات استدراج الضحايا وإيقاعهم في فخ “الدولار المزور”. دفع انتشار هذه التجارة بالمصرف المركزي السوري إلى إصدار تحذيرات، موضحاً أن “عصابات احترافية تستغل الأشخاص، وتقدم عروضاً لبيعه عبر الإنترنت مقابل عدد أقل من وحدات الدولار النظامي، مما يعرض المشترين لخسارة الدولارات السليمة”.
وأكد المصرف أن المشترين لن يتمكنوا من تقديم أي ادعاء، نظراً لأن القوانين تجرّم هذه العمليات، وغالباً ما تنتشر عمليات الاحتيال في الأماكن التي تعاني الفوضى وغياب الرقابة.
الدولار المجمد يُعتبر عملة سليمة مالياً، ولكن الفارق بينه وبين الدولار السليم هو أن التعامل به ممنوع، نظراً لقيام البنك الفيدرالي الأمريكي بتجميد الأرقام المتسلسلة لهذه النقود، والتي غالباً ما تكون نتيجة السطو على بعض المصارف في البلدان المتضررة من الحروب والفوضى، أو لتمويل “الجماعات الإرهابية”. لا يمكن تقدير حجم العملات المجمدة في العالم، لأن البنك الفيدرالي الأمريكي لا يكشف الأرقام المتسلسلة للعملات المجمدة لأغراض أمنية.
يؤكد الباحث الاقتصادي يونس الكريم لموقع المدن، أن كمية الأموال (الدولار) المجمدة والمزورة في السوق السورية تفوق الـ3 مليارات دولار، مبيناً أن تجارة الدولار المجمد دخلت سوريا بعد اندلاع الثورة نتيجة الفوضى. ويوضح الكريم أن الكشف عن الدولار المجمد صعب لأنه عملة سليمة مالياً، مشيراً إلى أن “هشاشة البنية المصرفية تسهم في انتشار هذه التجارة”.
ويضيف أن “إيران أسهمت في ضخّ كميات كبيرة من الأموال المجمدة في سوريا لتمويل الميليشيات التابعة لها وبناء حواضن شعبية”، معتبراً أن “إيران وجدت في الأموال المجمدة فرصة للتحايل على العقوبات التي تمنع حركة الأموال في النظام المصرفي العالمي”. من جهة أخرى، يؤكد الكريم أن النظام استفاد من الدولار المجمد لاستيراد بعض احتياجاته من الدول الخاضعة للعقوبات الأمريكية، معتبراً أن “سوريا تحولت إلى مركز عالمي لتجارة الدولار المجمد”.
تعجّ مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا بإعلانات بيع الدولار المجمد، وهو ما يمكن ملاحظته بمجرد تتبع هذه التجارة. يقول ياسر، المطلع على تجارة الدولار المجمد، إنه كاد أن يتعرض للاحتيال من قبل شبكة تعمل من خلال “فايسبوك”. ويضيف في حديثه أنه كان على وشك شراء مبلغ ألف دولار مجمد بنصف القيمة (500 دولار)، لكن الشبكة حددت مكان التسليم في منطقة نائية بمحيط مدينة حلب، وهو ما أخافه ودفعه لعدم إتمام الصفقة.
من جانبه، يرى كرم الشعار، الخبير الاقتصادي ومدير برنامج سوريا في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، أن تجارة الدولار المجمد ليست سوى غطاء لتجارة الدولار المزور، رغم وجود الدولار المجمد فعلاً. ويوضح أن العصابات توهم الضحايا بأن الدولار المعروض هو عملة سليمة مالياً، لكن عند التسليم تكون الأموال مزورة.
أبدى الشعار استغرابه من التحذيرات الصادرة عن جهات “وزانة”، مثل المصرف المركزي، من التعامل بـ”الدولار المجمد”، مشيراً إلى أنه من حيث المبدأ تستطيع الحكومة الأمريكية ممثلة بالبنك الفيدرالي تجميد بعض الأوراق النقدية. ويؤكد الشعار أن تجميد العملات يكون في حالات نادرة جداً، وعندما تُجمّد الأرقام المتسلسلة للعملات، يتم شطبها حول العالم، لذلك لا يمكن الحديث عن دولار مجمد يغزو سوريا، وإنما عملات مزورة، يتم عرضها على أنها “دولارات مجمدة” وتباع بقيمة منخفضة.