اساطير الكرة : غارنيشيا .. الملاك صاحب الساقين الملتويتين

السوري اليوم - احمد محمد
الأحد, 21 مارس - 2021
غارنيشيا مع بيليه الاسطورتين البرازيليتين
غارنيشيا مع بيليه الاسطورتين البرازيليتين


على الرغم من التشوهات الخلقية التي ولد بها اسطورة الكرة البرازيلية غارينشيا ، تحدى الإعاقة بمراوغة جعلت منه أشهر جناح أيمن في تاريخ كرة القدم، وأبرع مراوغ عرفته الميادين الخضراء حتى الآن، وقيل عنه "إنه بالنسبة لكرة القدم، مثل بيكاسو للفن"
"في البرازيل، سرعان ما تصبح الشخصيات المهمة ،في السابق ، طي النسيان"
 هذا ما قالته لوكالة الصحافة الفرنسية حفيدة الأسطورة البرازيلي غارينشيا، ألكسندرا دوس سانتوس البالغة من العمر 41 عاما.
نشأة فقيرة 
في حي باو غراندي الفقير ، ولد الأسطورة البرازيلي غارينشيا وفي هذا الحي الذي يتبع لبلدية ماغيه بين ريو دي جانيرو دفن غارينشيا.
اسمه الكامل مانويل فرانشيسكو دوس سانتوس، وهو زميل الأسطورةالبرازيل بيليه في المنتخب البرازيلي الذي توج باللقب العالمي الأول عام 1958 في السويد، وبعد إصابة بيليه أصبح غارينشيا النجم المطلق في تشكيلة 1962 التي أبقت اللقب برازيليا.
كان غارينشيا مع التشكيلة التي خاضت نهائيات 1966 أيضا، وهو أسطورة في نادي بوتافوغو والملعب الوطني يحمل اسم"غارينشيا" وليس اسم بيليه.
بسبب التشوه الخلقي المتمثل باعوجاج في الركبتين نحو الخارج واعوجاج أيضا في العمود الفقري وحتى الحوض كان مائلا بوضوح نحو الشمال، أطلق على غارينشيا لقب "الملاك صاحب الساقين الملتويتين"،لكن كتب على شاهد ضريحه في مقبرة (رايز دا سيرا) جملة "بهجة شعب"،وبينما كان بيليه في قمة عطائه خلال أعوام السبعينات، فارق غارينشيا الحياة عام 1983 عن 49 عاما بعد إدمانه على الكحول ومعاناته المادية.
تحول المنزل الذي عاش فيه غارينشيا كفتى يقف متمايزا عن محيطه، الى حانة صغيرة اسمها "غارينشينيا" تيمنا باللاعب الأسطورة.
وترك غارينشيا خلفه 14 ولدا من علاقات مختلفة ودون أي سند مادي، ما يجعل المرء يتفهم عدم اهتمام أبناء البلدة بأي حدث أو شيء يقام بهدف تكريمه، والحانة المقامة داخل منزله ليست تكريما له من قبل من عاش حوله، بل تقدمة من برنامج تلفزيوني واقعي.
حصل غارينشيا على المنزل عام 1958 كهدية من المعمل المحلي كجائزة له نتيجة إحرازه كأس العالم لكنهم (أصحاب المعمل) عادوا لاحقا للمطالبة به قبل التوصل في النهاية إلى اتفاق حيث دفع البرنامج التلفزيوني ثمن الحانة وما فيها.
كان غارينشيا "خجولا وغريب الأطوار"، بحسب حفيدته وقع عقودا على ورقة بيضاء وانتهى به الأمر بأن يكون أفقر لاعبي بوتافوغو.
بذلت عائلته جهدا كبيرا لكي تحافظ على ذكراه محليا، وهناك تمثال تذكاري صغير لغارينشيا بالقرب من محطة للحافلات أقيم عام 1992، وعلى جدران المركز الرياضي البلدي صورة له بالقميص الأصفر للمنتخب البرازيلي.
غارينشيا الذي ولد في 28 أكتوبر (تشرين الأول) 1933، هو سابع إخوته الاثنين والعشرين، من أب مدمن على الكحول، بينما كان غارينشيا الطفل الفقير ذو الجسم النحيف المشوه، وتطلب الأمر تدخل الجراحين، حتى تمكن على الأقل من المشي ولو بطريقة غير سليمة، ليصبح مانويل فيما بعد معجزة كروية ، وبعد أن كان أهله يحلمون برؤيته يمشي على قدميه، أصبح يداعب الكرة ببراعة الكبار.
فعلى الرغم مما أصابه من تشوهات حرمته حتى من الجري بطريقة عادية، فإنه بهذا الجسم المليء بالعيوب صنع لنفسه مجدا، وتمكن من التغلب على الإعاقة بمراوغة واحدة، يعيدها في كل مرة عجز كل مدافعي العالم في مواجهتها، واستسلموا لها جميعا.
مشاركته كبديل جعلت منه أسطورة برازيلية كروية
كان يدربه أحد الأصدقاء، وفي أحد أيام عام 1953، وهو في السادسة عشرة من عمره، وفي مباراة تدريبية لفريق بوتافوغو العريق، كان هناك نقص في عدد اللاعبين، فاقترح مدربه أن يشارك في المباراة التدريبية لسد الفراغ.

النجم الصاعد 
إلا أن النجم الصاعد لم يصدق أن الفرصة أتيحت له، وعوض أن يسد الفراغ ويكمل عدد اللاعبين، راح في جهته اليمنى المفضلة يبدع، وكان أول ضحاياه، المدافع المشهور آنذاك الدولي نيلتون سانتوس الذي كان أفضل ظهير أيسر في البرازيل، وهزمه على مرتين بمراوغتين لم يدرك منهما سانتوس شيئا، فاستسلم تماما أمام عبقرية منافسه.
وتوجه سانتوس بعد أن واجه هذا الفنان وعرف إمكاناته الفنية، مباشرة إلى إدارة ناديه، وصاح قائلا "يجب عدم إهدار هذه الفرصة، علينا ضم هذا اللاعب حالا إلى الفريق ".
وهو ما حصل بالفعل، وبقي غارينشيا لمدة 13 عاما في صفوف هذا الفريق العريق. ومنذ هذا التاريخ بدأ غارينشيا مسيرة رائعة، صار فيها اللاعب المراوغ الذي لا يمكن توقيفه، والغريب أنه اعتمد دائما على مراوغة واحدة حيث راوغ على مرحلتين، الأولى من دون كرة يقوم فيها بتمويه جسدي، وقدمه اليمنى، التي يموه بها، ثم يقفز على اليسرى، كي يعطي الانطباع أنه يريد الانطلاق، وعند ارتباك المدافع الذي لا يمكنه فهم نية غارينشيا، ينفلت الأخير بسهولة على الجناح، معتمدا على سرعة انطلاقه قبل أن يمرر كرات العرضية باتجاه زملائه.
أبواب المنتخب البرازيلي تفتح أمام الأسطورة البرازيلي
بعد عطائه المميز في صفوف نادي بوتافوغو، فتحت له أبواب المنتخب الوطني مصراعيها، وكان أحد اللاعبين الذين مثلوا البرازيل في نهائيات كأس العالم عام 1958.
ولعب أول مباراة له كأساسي أمام الاتحاد السوفياتي ثم في الدور نصف النهائي أمام فرنسا حيث مرر كرتين حاسمتين إلى فافا الذي ترجمهما إلى هدفين (5 - 2).
وكذلك كانت الحال في المباراة النهائية أمام السويد صاحبة الأرض التي انتهت بنفس النتيجة، وأقر بعدها اللاعب السويدي نيلز ليدهولم بدور غارينشيا فيها، حيث قال "خسرنا المباراة النهائية بسببه (غارينشيا)، لقد صنع هدفين خارقين".
وفي مونديال تشيلي 1962، انفجرت مواهب غارينشيا وأظهر فعليا فنياته العالية، حيث تلقى المرمى البرازيلي هدفا أولا مباغتا من المنتخب الإسباني، ألزم غارينشيا بالقيام باللازم لإنقاذ فريقه من الإقصاء، ففعلها ومرر كرتين على طبق من ذهب إلى أماريلدو الذي ترجمهما إلى هدفين أهلا المنتخب الذهبي إلى الدور ربع النهائي.
وفي مباراة ربع النهائي وضع الإنجليز ثلاثة مدافعين لحراسة غارينشيا إلا أنهم لم يفلحوا في إيقافه حيث تمكن من تسجيل هدفين من تسديدتين صاروخيتين، وفازت البرازيل (3-1)،وفي المباراة النهائية واجهت البرازيل منتخب تشيكوسلوفاكيا، ولعب غارينشيا المباراة وهو مصاب {بالإنفلونزا}، إلا أنه أربك المدافعين كثيرا وساهم في فوز منتخب بلاده (3 - 1) ونيلها الكأس للمرة الثانية على التوالي.
بعد مونديال تشيلي، بدأت لعنة الإصابات تطارد غارينشيا، خاصة أن جسمه المريض - وخصوصا ساقيه - كان لا يتحمل الضرب الذي كان يتلقاه بصفة مستمرة، ومن هنا بدأ نجمه في الأفول.
نهاية نجم
غارينشيا الذي كان يملك عقل طفل لا يتجاوز الثامنة من العمر حسب الأطباء النفسانيين، بدأ يكثر من الخروج إلى الملاهي الليلية، وغاب عن التدريبات ثم أدمن الكحول وانفصل عن زوجته وأولاده، وارتمى في حضن عشيقته المغنية الزا سواريز معلنا بذلك بداية نهاية نجوميته.


حاول غارينشيا العودة إلى أجواء المنافسة في مونديال إنجلترا 1966، إلا أن البرازيل خرجت من الدور ربع النهائي بانهزامها أمام بلغاريا (1 - 3)، فكانت أول هزيمة لغارينشيا في صفوف المنتخب خلال 41 مشاركة في صفوفه، وكانت كذلك آخر ظهور له بالزي الذهبي.
وتواصل بعد ذلك مسلسل تدهوره ثم أصيب بمرض صدري وخضع لعملية جراحية في الركبة، لينتهي الطفل العملاق في براثن الكحول والبؤس، قبل أن يغادر هذا العالم نهائيا عام 1983 في أحد مستشفيات ريو دي جانيرو.