سورية في لاءات الحرية

الثلاثاء, 13 ديسمبر - 2022
الكاتب والمفكر أحمد البرقاوي
الكاتب والمفكر أحمد البرقاوي


عرض حواس محمود
كتاب مهم جدا للمفكر الدكتور أحمد برقاوي صدر حديثا عن موقع أورينت نت بعنوان " سورية في لاءات الحرية " يتحدث فيه عن ثورات الربيع العربي عامة والثورة السورية خاصة ، ويفرد لها فصولا عديدة ، لشرح الالتباسات الفكرية والايديولوجية والمسلكية التي رافقت وترافق مسيرة الثورة السورية وقوى المعارضة والنظام السوري ، ويحدد نقاطا لكيفية تجاوز الشعب السوري ما يعيقه عن استكمال ثورته المباركة .
يرى المؤلف أن سورية مجتمع الشرارات وهو مجتمع الهشيم بكل أنواعه ، الهشيم الذي تراكم عبر عقود من الزمان والعماء السلطوي – الجاهل بالتاريخ – كان ينظر الى تراكم الهشيم على أنه نوع من الاستقرار والاستسلام المطلق من قبل البشر لواقعهم ، لم يسمح العماء السلطوي للسلطة أن ترى الاستنقاع الجاهل لانها ما كان لها أن تميّز بسبب عمائها التاريخي بين الاستنقاع والاستقرار .
ويتحدث المؤلف عن الجماعات العصبية التسلطية واختلافها بين قطر عربي وآخر وبخاصة في الاقطار التي حدثت فيها حراكات الربيع العربي ، وفيما يتعلق بالنموذج السوري للعصبية التسلطية والذهنية الحاكمة يراها المفكر البرقاوي أنها مختلفة عن العصبية التسلطية اليمنية والمصرية والتونسية والسودانية والليبية ، حيث تكونت الجماعة التسلطية بالتدريج منذ عام 1963 لتصل الى عام 1970 ، عصبية قوامها الطائفية التي بدورها تطورت في فترة طويلة من الزمن لتخلق ذهنية الطائفة التسلطية ، ويراها أنها أعقد من العصبيات التسلطية الأخرى .
يقول المؤلف أنّ سوريا بعد تجربة الاستبداد الطويلة لا يمكنها أبداً أنْ تتحمل إستبداداً من نوع آخر ، كما أنّ القوى الأصولية العنفية صورة مشابهة للجماعة الحاكمة وميليشياتها المحلية والمستوردة ، وسوريا لا يصلح لها نظام سياسي الا النظام الذي يقوم على الاعتراف بالتنوع والحق في التعبير عن هذا التنوع ، الدين الشعبي السوري لا علاقة له بالسلطة الدينية ، السلطة الدينية لا دخل لها بحياته وعلاقاته وتجارته وعاداته وأفراحه وأزيائه وحبه للحياة .
ويصل المؤلف إلى خلاصة متمثلة بقوله : ولهذا فالتفكير بمستقبل سوريا يعني التفكير باستعادة ماهية سوريا التي دمرها الاستبداد الغريب عن روح السوري ، ويرى أن الاحتلال الروسي لسوريا لم يأت كرمى للون عين بشار الأسد ، وكذلك الاحتلال الايراني والتركي والامريكي ، وأنّ القرار السوري المستقل لن تنجزه الا حركة سورية مستقلة تلقى التأييد الشعبي العربي والعالمي ، وتغدو نداً وليس أداة لهذا او ذاك .
ويرى أن "الصراع على البلاد " أي سورية ، كان ومازال يحتاج الى أطراف داخلية تكون جزءاً من " قوى الصراع الخارجي تلبس قناع الصراع من أجل البلاد " ودول النفوذ كلما رأت حالة " صراع من أجل " تدخلت كي تمنع الارادة الداخلية من الاستقلال ، هذا الأمر يؤكده ما حصل ويحصل في فلسطين ولبنان وسورية والعراق .
ويشير المؤلف أن دولا تدخلت في محاولة إجهاض الثورة السورية كايران وروسيا والصين لأنها كانت ثورة من أجل سورية ، فحولت الوضع الى الصراع على سورية ، وتدخلت دول أخرى أيضا لاشعال هذا الصراع متمثلة بامريكا وتركيا ، وفي الوقت الذي كانت فيه القوى الديموقراطية تبحث فيه عن دعم لها من أجل سوريا كانت القوى الميليشياوية تعمل من أجل المطالبة بالدعم لها بمنطق الصراع على سوريا ، لأن الثورة من أجل سوريا هي خطر على كل الأطراف التي تفكر وتسلك وفق منطق الصراع على سوريا
وفي فصل بعنوان " سوريا وسلطة الوهم المسلح " يتحدث المؤلف عن أن سوريا اليوم تشهد نمطين من العنف يمارسان التدمير بكل اشكاله وأن هناك نوعين من الوهم 1- عنف الوهم السلطوي 2- عنف الوهم المقدس ، فحين انتصرت المصادفة التاريخية المزعجة وانتصرت مؤسسة عسكرية ضعيفة الولاء ، ذات ارث فلاحي طائفي ثأري يقدس السلطة وليس في ثقافتها الا فكرة القوة المطلقة ، تولد لديها الوهم بأنها قادرة على تجميد حركة التاريخ عبر القوة المسلحة واستخدامها في أشد اشكالها همجية ، ويضيف المؤلف قائلا : ولقد اعتمل هذا الوهم سنين طويلة في ذهن الحلقة الحاكمة واشياعها وانتاج وهم كهذا خلق حالة استرخاء وطمأنينة وفجور في الممارسة السلطوية ، ووهم تجميد التاريخ مرض عضال عند جميع الدكتاتوريين الحقيقيين او أشباه الدكتاتوريين ، والمشكلة ان البرء من الوهم السلطوي هذا عملية صعبة ، ولهذا ما إن كسر الواقع ، واقع الهبة الشعبية هذا الوهم حتى جرد الوهم قواه دفاعاً عن بنيته المترهلة والتي لن تعود إطلاقا فكانت مأساة القتل والتدمير والتعذيب .
ويحدد المؤلف ثابتاً واحداً ويجد فيه أنه يجب أن يكون مشتركا عند أطياف المعارضة وهو الرفض المطلق لبقاء الجماعة الحاكمة ورأسها ، لأن حجم الجريمة التي إرتكبتها لا مثيل له في تاريخ الشعوب ، والرفض المطلق لجبهة النصرة التي قضت على إمكانية تحول الجيش الحر الى قوة فاعلة في تحديد المصير ، ولأنها حركة نكوصية لا علاقة لها بمفهوم الدولة المعاصرة ، وإنتاج عقل يفكر على هذا النحو يعني بالضرورة انتاج جبهة سورية موحدة حول الأهداف الكبرى .
وفي فصل بعنوان " قطاع طرق التاريخ مرة أخرى " يشير البرقاوي الى أنه في التاريخ هناك قطاع طرق داخليين وخارجيين ، وبالنسبة لسورية التي إشتعلت فيها ثورة شعبية كبرى لتحقيق الحرية والعدالة والكرامة فإن النظام قطع الطريق أمامها واستجلب قطاع طرق اقليميين كايران وعالميين كروسيا ، كما أن قطاع طرق آخرين دخلوا على الخط كامريكا وتركيا ، ناهيك عن قطاع طرق الاسلاميين كداعش والنصرة وهما الأخطر من بين قطاع الطرق المذكورين آنفا .
كتاب البرقاوي كتاب فكري قيم غني بالاشارات والحيثيات والتحليلات الفكرية العميقة ، ودحض لمقولات السلطة عن الثورة والثوار ، وهو يدافع عن الثورة كمسار تاريخي لابد منه للقطع مع ثقافة الفساد والاستبداد ، نحو مجتمع الحرية والكرامة والعدالة والتنمية .