خفض تركيا مستوى تدفق نهر الفرات يهدد القطاع الزراعي

السوري اليوم _متابعات
الثلاثاء, 31 أغسطس - 2021
خفض تركيا مستوى تدفق نهر الفرات يهدد القطاع الزراعي
خفض تركيا مستوى تدفق نهر الفرات يهدد القطاع الزراعي

 يحذر خبراء وتقنيون ومنظمات إنسانية من كارثة في شمال سوريا وشمال شرقها، حيث يمر نهر الفرات، قد تهدد سير العمل في سدوده. إذ أن تراجع منسوب المياه فيها منذ بداية العام سيؤدي إلى انقطاع المياه والكهرباء عن ملايين السكان، وبالتالي زيادة معاناة شعب استنزفه نزاع دامً مستمر منذ عقد، وانهيار اقتصادي حاد. 

وفي المناطق المهددة بالجفاف والواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية الكردية، يتهم كثيرون تركيا بمنع المياه واستخدامها كسلاح ضد المقاتلين الأكراد الذين تعدّهم «إرهابيين» الأمر الذي نفاه مصدر دبلوماسي تركي، وأعاد أسباب الجفاف إلى التغير المناخي الذي حذرت الأمم المتحدة في تقرير حديث من أنه سيؤدي إلى كوارث «غير مسبوقة» في العالم الذي تضربه موجات حرّ وفيضانات متتالية.


يذكر أنه في عام 1987، وقعت سوريا اتفاقاً لتقاسم مياه الفرات مع تركيا تعهدت بموجبه أنقرة أن توفر لسوريا معدل تدفق سنوياً قدره 500 متر مكعب في الثانية، لكن هذه الكمية انخفضت إلى أكثر من النصف خلال الأشهر الماضية، ووصلت في فترات معينة إلى 200 متر مكعب في الثانية، وفق تقنيين.


وفي سوريا، بني سدان أساسيان على نهر الفرات هما سد تشرين في ريف حلب الشمالي، وسد الطبقة حيث تقع بحيرة الأسد الضخمة في ريف الرقة الشرقي.


ويغطي السدان 90 في المئة من حاجات شمال شرق سوريا من الكهرباء، بما فيها التيار اللازم لمحطات ضخ المياه. ويهدد تراجع منسوب المياه عملهما.


ويحذر حمود الحماديين، مدير سد تشرين منذ 13 عاماً، من «انخفاض تاريخي ومرعب» في منسوب المياه لم يشهده السد منذ بنائه العام 1999.


ومنذ بداية العام الحالي، تراجع منسوب المياه في السد خمسة أمتار. وفي حال استمراره بالانخفاض سيصل إلى ما وصفه الحمادين بـ»المنسوب الميت» ما يعني أن تتوقف «عَنَفات التوربينات المُولِّدة للكهرباء بشكل كامل عن العمل».


وعدا عن تراجع إمداد المنطقة بالكهرباء، توقفت محطات ضخ مياه عديدة عن العمل، وفق الحماديين الذي نبّه إلى أن انخفاض منسوب المياه يهدد بارتفاع معدل التلوث ويعرض الثروة السمكية للخطر، وقال «نحن نتجه إلى كارثة إنسانية وبيئية». كما تراجع منسوب المياه في بحيرة الأسد حوالي خمسة أمتار، وبات يقترب من المنسوب الميت أيضاً.


وفي كامل شمال شرق سوريا، تراجع إنتاج الكهرباء بنسبة سبعين في المئة لأن سدي تشرين والطبقة لا يعملان بالشكل المطلوب، على ما يقول ولات درويش مسؤول هيئة الطاقة في شمال شرق سوريا في مقابلة مع وكالة فرانس برس.


في سوريا، يمر الفرات بغالبيته في مناطق تحت سيطرة «الإدارة الذاتية الكردية» وذراعها العسكرية «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من واشنطن، لكنها تعد خصماً أساساً لتركيا التي تصنف أبرز مكوناتها «وحدات حماية الشعب الكردية» كمجموعة إرهابية.


الجفاف مقبل ومعه المرض


ويعيد فيم زفينينبيرغ من منظمة «باكس» للسلام الهولندية غير الحكومية تراجع منسوب نهر الفرات في سوريا إلى مشاريع زراعية ضخمة وضعتها الحكومة التركية، وقد فاقم التغير المناخي الوضع سوءاً.


فقد أطلقت تركيا في التسعينيات مشاريع زراعية ضخمة في جنوب البلاد، وبات عليها الآن وجراء تراجع نسبة الأمطار أن تفعل المستحيل للحفاظ على كميات المياه ذاتها اللازمة لمشاريع الري. وقد يكمن الحل باستغلال أكبر لمياه الأنهار.


ويقول زفينينبيرغ «الجفاف قادم لا محال» مشيراً إلى أن صوراً عبر أقمار اصطناعية تظهر «التراجع السريع في النمو الزراعي الصحي» في كل من سوريا وتركيا.


وقد حمل تقرير صدر الشهر الحالي عن خبراء المناخ في الأمم المتحدة البشر و»بشكل لا لبس فيه» مسؤولية الاضطرابات المناخية التي ضربت العالم وتهدده أكثر وبينها موجات القيظ والجفاف. وحذرت الأمم المتحدة من أن فترات الجفاف ستصبح أطول وأكثر حدة حول البحر الأبيض المتوسط.


وقد صنف مؤشر الأزمات العالمية العام 2019 سوريا على أنها البلد الأكثر عرضة لخطر الجفاف في منطقة المتوسط.


في ريف الرقة الشرقي، بات انكماش بحيرة الأسد، أكبر البحيرات الاصطناعية في سوريا، الهم الأكبر لدى عمال سد الطبقة من جهة والمزارعين من جهة ثانية.


وحذر ائتلاف منظمات تعمل في شمال شرق سوريا من انتشار الأمراض الناشئة عن تلوث المياه في محافظات حلب والرقة ودير الزور، فيما تسبّبت مياه معامل الثلج الملوّثة بانتشار الإسهال في مخيمات النازحين.


ويقول العلي «باتت الناس مضطرة لأن تشرب من المياه الملوثة، ما أدى إلى ازدياد الأمراض بين سكان القرية».


نقص في الغذاء


يهدد تراجع منسوب نهر الفرات «المجتمعات الريفية على ضفافه والتي تعتمد بشكل أساسي على الزراعة والري» وفق ما تشرح الخبيرة السورية في الأمن البيئي مروى داوودي.


فقد أتى الجفاف، وفق منظمات إنسانية، على مساحات زراعية واسعة تعتمد أساساً على مياه الأمطار، في بلد يعاني 60 في المئة من سكانه من انعدام الأمن الغذائي.


وأوردت الأمم المتحدة أن إنتاج الشعير قد يتراجع 1.2 مليون طن العام الحالي، ما يصعّب تأمين العلف للحيوانات خلال الأشهر القليلة المقبلة.


ويرجح بالانش أن تكون سوريا تواجه جفافا قد يستمر سنوات لم تشهده منذ آخر موجة جفاف فيها بين العامين 2005 و2010.


ويقول «سيضطر المزارعون خلال السنوات المقبلة إلى تقليص المساحات المزروعة» محذراً من أن سوريا كلّها «ستشهد نقصاً في الغذاء، وسيكون عليها أن تستورد كميات ضخمة من الحبوب».


في العراق أيضاً، حذر المجلس النرويجي للاجئين من أن تراجع تدفق نهر الفرات قد يحرم سبعة ملايين شخص من المياه.


ويقول المتحدث باسم المجلس كارل شيمبري «لا يأخذ المناخ الحدود بالاعتبار».