أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اليوم تقريراً بعنوان "الذكرى السنوية الثامنة لأضخم هجوم للنظام السوري بالأسلحة الكيميائية على المواطنين السوريين في غوطتي دمشق وما زال دون محاسبة"، قالت فيه إن هجمات النظام السوري بالأسلحة الكيميائية قد أسفرت عن مقتل نحو 1500 مواطن سوري وإصابة قرابة 11080 آخرين، وأشارت إلى أبرز الأفراد المتورطين باستخدام الأسلحة الكيميائية في النظام السوري تمهيداً لفضحهم ووضعهم على قوائم العقوبات الدولية.
جاء في التقرير -الذي جاء في 15 صفحة- أنَّ هجوم النظام السوري بالسلاح الكيميائي ضدَّ أهالي غوطتي دمشق الشرقية والغربية في 21/ آب/ 2013، يعدُّ أضخم هجوم عرفه العالم بالأسلحة الكيميائية بعد اعتماد اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، وقال إن هذا الهجوم قد شكَّل صدمة للإنسانية والحضارة. وما زالت أسر الضحايا التي فقدت أبناءها وأحبَّتها تنتظر أن يفيَ المجتمع الدولي بوعوده وخطه الأحمر القاضي بمعاقبة النظام السوري، ولكن للأسف الشديد لم يتحقق أيُّ شكل فعال من أشكال المحاسبة حتى الآن، وأضافَ أنَّ هذا الهجوم قد مثَّل من خلال عدد الذخائر المحملة بالغازات التي استخدمت وحصيلة الضحايا المرتفعة صدمة للعالم أجمع، وقد تأمل المجتمع السوري أن يكون هناك رد فعل حاسم وحقيقي على خرق النظام السوري للخطوط الحمر التي رسمتها له عدة دول كبرى في العالم؛ مما يساهم بالتالي في إحقاق حقوق الضحايا الذين قتلوا أو أصيبوا، ويحقق نوعاً من العقاب الذي يستحقه النظام السوري على ممارساته العديدة المتوحشة ضدَّ المواطنين السوريين. لكن الأسوأ من الهجوم ذاته كان التَّخلي عن معاقبة النظام السوري الذي قام بالهجوم؛ مما شجَّعه على تكرار الهجمات الكيميائية عشرات المرات بعد ذلك، وساهم في فقدان غالبية السوريين الأمل بالعدالة والقانون الدولي.
استعرض التقرير تفاصيل هجوم الغوطتين وأكَّد وجود نية وتخطيط دقيق لدى النظام السوري يهدف إلى إبادة أكبر قدر ممكن من الشعب السوري وذلك من خلال استخدام النظام السوري كميات كبيرة من غاز السارين في وقت متأخر من الليل حيث يكون الأهالي نيام؛ الأمر الذي يُـخفِّض من فرص النجاة، مشيراً إلى أن مؤشرات درجات الحرارة تلك الليلة كانت تُشيرُ إلى انخفاضها بين السَّاعة الثانية والخامسة فجراً؛ ما يؤدي إلى سكون الهواء، وبالتالي عدم تطاير الغازات السَّامة الثقيلة.
وبحسب التقرير فقد قتل في ذلك اليوم 1144 شخصاً اختناقاً بينهم 1119 مدنياً بينهم 99 طفلاً و194 سيدة (أنثى بالغة) و25 من مقاتلي المعارضة المسلحة، كما أصيب 5935 شخصاً بأعراض تنفسية وحالات اختناق، وطبقاً للتقرير فإن هذه الحصيلة تشكل قرابة 76 % من إجمالي الضحايا الذين قتلوا بسبب الهجمات الكيميائية التي شنَّها النظام السوري منذ كانون الأول/ 2012 حتى آخر هجوم موثَّق في الكبينة بريف اللاذقية في أيار/ 2019.
سجَّل التقرير 222 هجوماً كيميائياً على سوريا منذ أول استخدام موثَّق في قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان لاستخدام الأسلحة الكيميائية في 23/ كانون الأول/ 2012 حتى 20/ آب/ 2021، كانت قرابة 98 % منها على يد قوات النظام السوري، وقرابة 2 % على يد تنظيم داعش، واستعرض التقرير توزع هذه الهجمات تبعاً للأعوام وبحسب المحافظات أيضاً.
وطبقاً للتقرير فإن هجمات النظام السوري تسبَّبت في مقتل 1510 أشخاص يتوزعون إلى 1409 مدنياً بينهم 205 طفلاً و260 سيدة (أنثى بالغة) و94 من مقاتلي المعارضة المسلحة، و7 أسرى من قوات النظام السوري كانوا في سجون المعارضة المسلحة. كما تسبَّبت في إصابة 11080 شخصاً بينهم 5 أسرى من قوات النظام السوري كانوا في سجون المعارضة المسلحة.
في حين نفّذ تنظيم داعش 5 هجمات كيميائية منذ تأسيسه في 9/ نيسان/ 2013 حتى 20/ آب/ 2021 كانت جميعها في محافظة حلب وتسبَّبت في إصابة 132 شخصاً.
وأورد التقرير توزع حصيلة الهجمات الكيميائية بحسب قرارات مجلس الأمن حيث توزعت الهجمات التي نفذها النظام السوري إلى: 33 هجوماً قبل قرار مجلس الأمن رقم 2118، و184 بعده، في حين بلغت 115 هجوماً بعد قرار مجلس الأمن رقم 2209، و59 هجوماً بعد تشكيل آلية الأمم المتحدة وقرار مجلس الأمن رقم 2235. أما الهجمات الخمس التي نفذها تنظيم داعش فهي تشكل بحسب التقرير خرقاً لقرارات مجلس الأمن رقم 2118، و2209، و2235.
حمَّل التقرير مسؤولية تحريك الأسلحة الكيميائية واستخدامها إلى رأس النظام السوري بشار الأسد، الذي يتولى قيادة الجيش والقوات المسلحة، وأكد أنه لا يمكن القيام بمهام أقل من ذلك بكثير دون علمه وموافقته، مشيراً إلى أن القانون الدولي الإنساني يأخذ في الاعتبار الطبيعة الهرمية للقوات المسلحة والانضباط الذي يفرضه القادة، ويحمل القادة المسؤولية الجنائية على المستوى الشخصي لا عن أفعال وتجاوزات ارتكبوها بل أيضاً عن أفعال ارتكبها مرؤوسوهم. وأضافَ أن علاقة رأس النظام وقياداته وسلسلة القيادة الشديدة الصرامة والمركزية، كل ذلك يجعل رأس النظام السوري بشار الأسد والقيادات العليا جميعها متورطة بشكل مباشر عبر استخدام أسلحة الدمار الشامل الكيميائية في ارتكاب انتهاكات تصل إلى جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب بحق الشعب السوري. وأوضح أنه فيما يخص استخدام الأسلحة الكيميائية يتحمل بالدرجة الأولى كل من القائد العام للجيش والقوات المسلحة ونائبه ومدير القوى الجوية وإدارة المخابرات الجوية وقادة المطارات العسكرية ومدراء السرب والألوية التابعة للحرس الجمهوري، إضافة إلى مدراء وحدات البحوث العلمية المسؤولية الأكبر عن استخدام هذا السلاح، ولفت التقرير إلى أن أن قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان تضمُّ بيانات لما لا يقل عن 387 شخصاً من أبرز ضباط الجيش وأجهزة الأمن والعاملين المدنيين والعسكريين في مراكز البحوث والدراسات العلمية المتخصصة بتوفير وتجهيز المواد الكيميائية المستخدمة عسكرياً في سوريا، المتهمون بإصدار أوامر لشنِّ هجمات بالأسلحة الكيميائية أو تنفيذها في سوريا، وأوردَ عينة عن أبرز هؤلاء المتورطين.
طبقاً للتقرير فإن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية قد أثبتت مسؤولية النظام السوري عن استخدام السلاح الكيميائي في أربع هجمات، كما أثبتت آلية التحقيق المشتركة التي أنشأها قرار مجلس الأمن رقم 2235 مسؤوليته عن خمس هجمات أخرى، وتأسيساً على ذلك، يجب الاستناد على الأدلة والبيانات التي تمتلكها منظمة حظر الأسلحة من أجل محاسبة النظام السوري على استخدام أسلحة الدمار الشامل قضائياً، والأهم من ذلك محاسبته سياسياً عبر عدم القبول بعودته إلى حظيرة المجتمع الدولي، واعتباره نظاماً مارقاً خارجاً عن القانون الدولي، وقال التقرير إنه يجب على كافة دول العالم محاربته وردعه؛ نظراً لاستخدامه أسلحة دمار شامل، والإسراع في الضغط الجدي لتحقيق انتقال سياسي يُفضي إلى نظام ديمقراطي يحترم القانون الدولي وحقوق الإنسان.
طالب التقرير الأمم المتحدة ومجلس الأمن بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية وعسكرية على النظام السوري في ذكرى استخدامه الأسلحة الكيميائية ضدَّ الغوطتين الشرقية والغربية بريف دمشق، كشكل من أشكال التعويض المعنوي لأسر الضحايا. وملاحقة الأفراد الواردين في التقرير والتحقق في مدى تورطهم في استخدام الأسلحة الكيميائية ووضعهم على قوائم العقوبات والإرهاب.
ورأى التقرير أنه بعد فشل مجلس الأمن الدولي على مدى عشر سنوات في إيقاف الجرائم ضد الإنسانية أو إحالتها إلى المحكمة الجنائية الدولية، يجب على الجمعية العامة للأمم المتحدة التدخل استناداً إلى القرار رقم 377 لعام 1950 (قرار الاتحاد من أجل السلام)، والعمل على إحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبة المتورطين باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المواطنين السوريين.