المفصولون من العمل بين التحديات وتطمينات الحكومة

جيهان حمد الخلف
الجمعة, 14 نوفمبر - 2025
الاستاذ ابراهيم الفشتكي
الاستاذ ابراهيم الفشتكي


عاد الكثير من المعلمين الذين فُصلوا سابقًا من عملهم في النظام السابق من المخيمات ودول اللجوء، تاركين خلفهم الفرص التي حصلوا عليها هناك. وبعد أكثر من عقد على فصلهم، يجد هؤلاء المعلمون أنفسهم أمام نقطة الصفر، إذ يعاني الكثير منهم من صعوبات اقتصادية واجتماعية، أقلها تأمين متطلبات الحياة اليومية، إلى جانب التحديات النفسية والاجتماعية التي تفرضها حالة عدم الاستقرار، وتكاليف إعادة التأهيل أو البحث عن فرص عمل بديلة.

تتفاقم معاناة هؤلاء بسبب التعقيدات الإدارية والقانونية المرتبطة بعمليات الفصل وإعادة التوظيف، ما يجعل العودة إلى العمل صعبة أو مستحيلة في بعض الحالات.

تواصل الحكومة السورية جهودها لإعادة المفصولين تعسفًا بسبب نشاطهم الثوري إلى العمل، خاصة في وزارة التربية، حيث طلبت وزارة التنمية الإدارية من الموظفين الواردة أسماؤهم ضمن القوائم مراجعة المديريات المختصة لاستكمال الإجراءات الإدارية اللازمة لعودتهم، وذلك استجابةً لالتزام الحكومة بإنصاف هؤلاء الموظفين ومعالجة ملفاتهم.

إجراءات الإعادة إلى العمل

طالبت الوزارات المعنية، مثل وزارة التربية، الموظفين الذين وردت أسماؤهم في القوائم بمراجعة مديريات التربية المختصة لاستكمال الإجراءات الإدارية اللازمة لإعادتهم إلى العمل. كما أطلقت الوزارة رابطًا إلكترونيًا لتسجيل العاملين المفصولين من الجهات العامة بسبب مشاركتهم في الثورة السورية.

وأعلنت وزارة التنمية الإدارية عن القوائم الأولى للأسماء التي تم استكمال دراسة ملفاتها في وزارة التربية، والتي تشمل 14.646 حالة.

قطاع التربية والتعليم

تولي وزارة التربية اهتمامًا خاصًا بهذا الملف، مؤكدة أن الكوادر التربوية التي فُصلت بسبب مشاركتها في الثورة لها الأولوية القصوى في الإعادة. وتقوم الوزارة حاليًا بمراجعة حالات الفصل التي جرت خلال الفترة الممتدة من عام 2011 وحتى تاريخ سقوط النظام السابق، حيث أعيد حوالي 14 ألف موظف مفصول.

وأصدرت الوزارة القائمة الأولى لأسماء الموظفين المفصولين تعسفًا نتيجة مشاركتهم في الثورة السورية، مطالبة إياهم باستكمال إجراءات المباشرة. أما الأشخاص الذين لم تُدرج أسماؤهم في القوائم، فتتم مراجعة ودراسة ملفاتهم بعناية.

وبخصوص الموظفين المفصولين الذين تجاوزوا السن القانوني، أكدت وزارة التربية أن ملفاتهم ستُعالج لاحقًا بالتنسيق مع المؤسسة العامة للتأمينات والمعاشات.

السن القانوني عقبة أمام العودة

رغم التعليمات والإجراءات الحكومية، لا تزال بعض القوانين والروتين الإداري عقبة أمام عودة المعلمين، مثل الأستاذ إبراهيم الفشتكي، المعلم في المدرسة الصناعية بإزرع في محافظة درعا ورئيس فرع الأردن لنقابة المعلمين السوريين الأحرار سابقًا.

قال الفشتكي إنه وصل لمرحلة ندم لعودته إلى سورية بسبب المعاملة التي يتلقاها، كونه من أوائل المشاركين في الحراك الثوري، وأب لشهيدين من أوائل شهداء إزرع، أحدهما استشهد في مجزرة الجمعة العظيمة.

وأوضح أن إجراءات عودته بدأت بعد صدور القوائم للمرة الثالثة في 1 أيلول 2025، لكنه واجه عقبة السن القانوني للتقاعد، مما استلزم تقديم أوراق التقاعد. وبعد سلسلة طويلة من المراجعات والإجراءات بين درعا ودمشق، ما يزال ينتظر صدور مرسوم جمهوري لتصحيح وضعه الوظيفي والمالي.

وأضاف الفشتكي أن تكاليف التنقل والإجراءات المالية تفاقمت على عاتقه، مؤكداً أنه كان يتوقع تقديرًا ودعمًا خاصة كونه من أوائل المنشقين عن النظام ومشاركًا في تشكيل نقابة المعلمين السوريين الأحرار في دول اللجوء.

لا تختلف حالة المعلم عدنان المليحان والمعلمة فضية المليحان، العائدين من الأردن، حيث لم يحصلوا حتى اليوم على رد من وزارة التربية للعودة إلى العمل.

الوعود الحكومية

أكد وزير التنمية الإدارية، محمد حسان السكاف، أن دراسة حالات الفصل تهدف إلى إعادة التوظيف وضمان الحقوق الوظيفية، موضحًا أن عدد الطلبات بلغ 22.644، وأن الحكومة ملتزمة بمعالجة آثار المرحلة السابقة وإنصاف المتضررين.

وفي آب/أغسطس الماضي، أصدر معاون الأمين العام لرئاسة الجمهورية لشؤون مجلس الوزراء، علي كده، قرارًا بتشكيل لجنة مركزية لدراسة أوضاع المفصولين، لمراجعة حالات الفصل من 2011 وحتى تاريخ سقوط النظام السابق.

إلا أنه بعد مرور أكثر من شهرين على القرار، لم يصدر أي جدول زمني واضح، مما يثير مخاوف المفصولين من أن تكون اللجنة شكلية، خاصة في ظل غياب معايير واضحة للشفافية والانتقائية.

الآليات القانونية والإدارية

أكد مدير التنمية الإدارية في وزارة التربية، عبد الكريم قادري، أن الكوادر التربوية المفصولة بسبب الثورة هي في صميم أولويات الوزارة، مشيرًا إلى أن المعالجة تشمل التأكد من استحقاق الموظف للإعادة وإنصافه، مع الأخذ بعين الاعتبار الآثار المالية السابقة.

وأوضحت إدارة المصارف، من خلال تجربة الموظفة أمل الشوحة، أن الإجراءات لا تزال بطيئة، حيث أتمت جميع الأوراق المطلوبة منذ فترة، لكنها ما تزال بانتظار الموافقة على العودة للعمل.

وأكد القاضي المستشار جهاد الدمشقي أن معالجة أوضاع العاملين المفصولين تعسفيًا تشكل أولوية وطنية، باعتبارها أحد مسارات العدالة الانتقالية، موضحًا أن اللجنة المركزية شكلت لضمان حقوق الموظفين واستكمال الإجراءات القانونية والإدارية اللازمة، بما في ذلك الاعتراف بالخدمة السابقة والحقوق المالية المتراكمة.

تطلعات الموظفين المفصولين

نفذ آلاف الموظفين المفصولين وقفات احتجاجية في المحافظات، خاصة في حلب وإدلب، للمطالبة بإعادتهم إلى وظائفهم، فيما أطلقوا حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعنوان “تجمع الموظفين المفصولين من العمل بسبب النظام البائد”.

ورغم هذه الجهود، ما تزال مطالبهم بلا استجابة، إذ يشير الموظفون إلى استمرار متابعة قضايا واتهامات متعلقة بترك العمل، رغم أن الحكومة تجري مسابقات توظيفية في العديد من الوزارات.