فضيحة الليبرالية السورية

الليبرالية
الليبرالية

معقل زهور عدي

ليس المقصود هنا هو الليبرالية كفكرة تتضمن تحقيق المرحلة الليبرالية التي أنجزتها أوربة ولم ننجزها نحن حتى الآن بما في ذلك الحريات العامة والخاصة وحقوق الانسان ولكن ذلك التيار الليبرالي السوري الذي نشأ من مصدرين رئيسيين الأول هو قسم من اليسار السوري غادر الماركسية في السياسة وبقيت الأفكار الماركسية – الستالينية في خلفية تفكيره لتختلط مع الليبرالية وتعيد انتاج ليبرالية في حقل السياسة تتصف بعلمانية صلبة وتمثل لنزعة فوبيا الاسلام الغربية مترافقة مع موقف كاره للعروبة يميل لشيطنتها تحت أي ادعاء.

أما المصدر الثاني لذلك التيار الليبرالي فهو انتهازية سياسية تركب موجة مشاعر الإحباط واليأس من الحالة التي وصلت إليها سورية وتتماهى مع السياسات والرؤية الغربية للمنطقة والتي لا تخرج عن استراتيجية الهيمنة والإلحاق، وتبحث عن مثقفين مؤهلين لنشر ثقافة تشكل الغطاء لتلك الهيمنة.

ينبغي أن لا يستهين أحد باختراقات دول كبرى للتيارات الفكرية – السياسية في سورية، هذه الاختراقات التي تبدأ من تمويل مراكز بحوث فكرية، ولا تنتهي عند تشجيع نماذج من المثقفين بطرق شتى مثل فتح الطريق أمامهم نحو المنصات الاعلامية (صحافة، أقنية فضائية، مجلات …. الخ ..) , وإلقاء الضوء عليهم , وصناعة النجوم منهم, ومحاربة النماذج غير المناسبة التي تعيق نشرهم للثقافة الليبرالية .

تهاجم الليبرالية السورية بشراسة القومية العربية في حين تتملق النزعة القومية الكردية وتظهر تعاطفا يصل لمرتبة تفهم مشروع قسد الانفصالي بل وحتى مد الجسور معه وتلك هي أول فضائح الليبرالية السورية.

وفي حين تهاجم النخب الليبرالية السورية القومية العربية من موقع الوطنية السورية فإنها تطعن الوطنية السورية بالتنظير للهويات المحلية والطائفية والعنصرية والنفخ فيها حتى الذهاب لوضع الفدرالية على طاولة البحث وإجراء المقارنات غير الموضوعية بين نظم فدرالية جمعت كيانات سياسية مستقلة أو شبه مستقلة بالأصل كما في الولايات المتحدة ضمن دولة فدرالية عصرية ذات اقتصاد متقدم قادر على دعم الكيان الفدرالي وبين تقسيم دولة واحدة متخلفة الاقتصاد تحت وطأة ظروف طارئة من احتلالات أجنبية وميليشيات غريبة ونظام استبدادي .

تقف الليبرالية السورية من القضايا العربية موقف اللامبالاة وتعتبر أنها غير معنية بالحرائق المندلعة في البيت المجاور مما يعني فعليا غسل اليد من أي رابطة تربط السوريين بمحيطهم رغم أن مصير سورية مرتبط بذلك المحيط في نهاية المطاف.

وفي حين تتبنى الليبرالية السورية موقفا مزاودا في معارضة النظام لكنها تقف على مسافة من أي حراك شعبي فرهانها في النهاية ليس على الشعب بل على الخارج إلى حد كبير

لا يوجد ما يريح النظام السوري أكثر من استبدال الهم الوطني الديمقراطي السياسي بالهم التنويري الثقافي ووضع التنوير كبديل مرحلي عن الكفاح السياسي من أجل تغيير النظام، ومثل ذلك التوجه يقدم حلا للنخب السورية المترهلة والباحثة عن موطئ قدم مجاني في الساحة السياسية السورية.

وفي الفترة الأخيرة ساد اعتقاد لدى النخب السياسية الليبرالية السورية بتسيدها للمشهد الثقافي – السياسي السوري حتى وصل الأمر لطرح مفاهيم سياسية مغلفة بأعمال بحثية محترفة تزدري الثورة السورية بل تنقضها بوضع عنوان عريض يستبدل الثورة السورية بمفهوم الحرب الأهلية.

يمكن القول إن الليبرالية السورية الثقافية تسير في اتجاه تحولها إلى أن تكون مجرد استطالة للسياسات الغربية في سورية، وأن انتماءها للبيئة الشعبية بتاريخها وأهدافها التحررية لم يعد يشكل بالنسبة إليها هما يستحق التفكير.

لكنها بحالتها السابقة تنفصل شيئا فشيئا عن ضمير السوريين، وعن روحهم الوطنية والثورية التي لا تقبل التبعية ولا الانحناء ولا الانخلاع عن الهوية العربية عميقة الجذور.

وفي أي نهوض وطني قادم سوف تجد نفسها معزولة ووحيدة مهما حاول الخارج مد الحبال لها وتغذيتها وتلميع نجومها كما يفعل دائما في هذه المنطقة المنكوبة بالهيمنة الغربية.

موقع كصير