أردوغان يهدد إسرائيل… هل يفعلها؟

اردوغان
اردوغان

أحمد مظهر سعدو 

أثار تصريح الرئيس التركي، رجب طيّب أردوغان، تهديده إسرائيل فيما لو استمرّت في العدوان على قطاع غزّة (قال فيها إنّ بلاده كما تدخّلت في ناغورنو كاراباخ وليبيا تستطيع فعل الشيء نفسه في إسرائيل)، وما زالت تثير تساؤلات عن مدى جدّيتها. ومن ثمّ، لماذا اختيرت في هذه اللحظة بعينها، وليس في سواها؟ وهل يمكن التعاطي مع إسرائيل بطريقة تعاطي تركيا مع الوضع الليبي سابقاً، أو بطريقة تعاملها مع أوضاع ناغورنو كاراباخ، فيحقّق تدخّل تركي ما تريده أنقرة في سياساتها الخارجية المُمتدّة إقليمياً؟ أسئلة كثيرة طرحتها تصريحات أردوغان، وما جاء في إثرها من ردّات فعل إسرائيلية على ذلك، وفق المعطيات وديناميات المرحلة، بالرغم من فظاعة ما يُرتكَب في قطاع غزّة إسرائيلياً منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

ولعلّ ما أسهم في دفع أردوغان إلى مثل هذه التصريحات يكمن ويتمحور حول مسألتَين: الأولى، حالة الفوران الشعبي في تركيا بين جمهور حزب العدالة والتنمية خصوصاً، وكذلك الأحزاب الإسلامية الصغيرة الأخرى، إذ يشير ذلك كلّه ويدفع نحو تأكيد دور تركيا المطلوب، والأكثر فاعلية، لنصرة أهل قطاع غزّة المحاصرين منذ عشرات السنين، حيث تُمارَس في حقّهم أنواع العسف والقتل كلّها، وتدمير البنية التحتيّة، بينما الفرجة على ما يجري من مقتلة متواصلة، إسلاميّاً وعربيّاً، تسود المشهد الإقليمي من دون أيّ تدخّل أو محاولة عملية لوقف العدوان. والواقع يُوضّح أنّ المزاج الشعبي التركي، وموقف الناس والشارع التركي من قضية ما يدفع أيّ حزب أو سلطة حاكمة في تركيا إلى مزيد من حالات التساوق مع الرؤية الشعبية، صوناً للعلاقة مع الناخبين، وللمدّ الجماهيري الذي يبحث عنه أيّ حزب حاكم أو مجموعة أحزاب حاكمة، كما هو الحال في تركيا. ولم ننسَ بعد كيف تساوق رأي حزب العدالة والتنمية (الحاكم) أخيراً مع المزاج الشعبي التركي والجماهير التركية، المُجيّشة من المُعارَضة التركية، بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم. ويتمظهر اليوم موضوع التعاطف الشعبي التركي مع قضية فلسطين، والحرب على قطاع غزّة، في كثير من الأنشطة الشعبية التركية، من اعتصامات وتظاهرات، وتعاطف، لدعم قطاع غزّة.

المسألة الثانية التي دفعت الرئيس أردوغان إلى تصريحه هذا تكمن في تفكير سياسي جديد يحاول استنهاض الأمّة واستغلال الفرص لاتخاذ موقف ما واعٍ ومناسبٍ عند أبواب اجتماع الرباعية في روما، في محاولة منه لتحريك الأمور نحو حلّ سلمي يريده أردوغان يساهم في حقن الدماء الفلسطينية، التي تسيل مدراراً في أرض الرباط في غزّة وفلسطين. وهي رسالة إلى الغرب قبل أن تكون موجّهة إلى إسرائيل، تشير بوضوح إلى أنّ الدولة التركية، التي تنتمي إلى العالم الإسلامي، قد ينفد صبرها. صحيح أنّها كانت أول دولة مسلمة اعترفت بوجود الكيان الصهيوني، إلّا أنّ هذا عليه ألّا يُنسي أحداً أنّ "للصبر حدوداً"، ومن الممكن جدّاً أن يجري التعاطي مع ما يحصل في قطاع غزّة وفق مُعطيات وسياسات جديدة، وعلى أسس مختلفة أكثر قدرة على لجم العنف المُفرِط النازل على رؤوس البلاد والعباد في فلسطين، وسط صمتٍ عالمي وإسلامي وعربي غير مُبرّرٍ وغير مفهوم.

لكنّ السؤال الذي يبقى قائماً: هل يمكن للرئيس التركي أن يتعاطى مع إسرائيل، وما تقوم به من عنف وهمجية، وفق الآليات نفسها التي اشتغل عليها في كاراباخ أو في ليبيا، إذ يدرك أردوغان أنّ ما كان مسموحاً له في ليبيا، وأيضاً في كاراباخ ليس من الممكن أبداً أن يُسمحَ له به في حال التعامل مع أوضاع إسرائيل، هذه الدولة المُصطنعة المُدلّلة أميركياً وعالمياً. إنّها إسرائيل، التي قال بشأنها جو بايدن يوم جاء إلى إسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى: "لو لم تكن إسرائيل موجودة لكان علينا إيجادها"، لها دورها الوظيفي، ووضعها الثابت المفيد للغرب، وندرك جميعاً حجم المساعدات التي تصل إلى إسرائيل كي تبقى على قيد الحياة، خصوصاً في الحرب على غزّة، وفي مواجهة شعب فلسطين الأعزل. فكيف تسمح أميركا لتركيا بخوض غمار حرب ما في قطاع غزّة ضدّ إسرائيل، وتركيا هي من الأعضاء المؤسّسين في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، إذ هل من المعقول أن تتدخّل تركيا ضدّ إسرائيل مثلاً، وتبقى مُستمرّة ضمن أسوار الحلف؟

ذلك كلّه، وما يحيط به، يفيدان بأنّ تصريحات أردوغان ليست جدّية، بل لا تعدو محاولةً سياسيةً لتحريك المياه الراكدة في ملفّات قطاع غزّة والمنطقة، وصولاً إلى حالة وقف إطلاق النار، وإعادة طرح القضية من جديد بشكل جِدّي، والعمل السريع ما أمكن من أجل إنهاء حرب عدوانية فاجرة ومستمرة على غزّة. وبالطبع هي رسالة للشعب التركي، المُتعاطف مع شعب قطاع غزّة، من السلطة الحاكمة ومن حزب العدالة والتنمية، مفادها أنّ الحكومة في تركيا ما زالت على العهد، وهي ستفعل كلّ ما تستطيع من أجل وقف العدوان على قطاع غزّة والشعب الفلسطيني. هل سيتوقّف هذا العدوان قريباً؟ وهل تلوح في الأفق اشتغالات حقيقية وجدّية على ذلك؟ وهل فترة ما قبل الانتخابات الأميركية ستكون في مصلحة نتنياهو أم العكس؟

المصدر: العربي الجديد