أمير مخول
طالب سموتريتش وزير المالية الوزير في وزارة الحرب المسؤول عن الضفة نتنياهو باتخاذ اجراءات عقابية على السلطة الفلسطينية، كما وأعلن وقف تحويل اية اموال مقاصة للسلطة الفلسطينية حتى اشعار اخر، وذلك ردا على اعتراف الدول الاوروبية الثلاث بدولة فلسطين، واكد على القيام ببناء عشرات الاف الوحدات السكنية بما فيه في المنطقة E1 التي فعليا ستفصل شمال الضفة عن وسطها والجنوب وتحول دون قيام دولة فلسطينية. كما وطالب بإقامة مستوطنة جديدة مقابل كل دولة تعترف بفلسطين.
– ترى اسرائيل الرسمية ان اعتراف الدول الاوروبية الثلاث بدولة فلسطين هو بداية حدث متدحرج سيدفع دولا اخرى لتحذو حذوهم، مما يشكل اعترافا دوليا بدولة فلسطين خارج إطار التأثير الإسرائيلي، وهو ما ترفضه تل ابيب قطعيا وتساندها الموقف الولايات المتحدة التي استخدمت نفوذها لمنع قيام دولة فلسطينية في اي سياق دولي خارج تصوراتها وضمن ما يسمى “المفاوضات الثنائية” بين إسرائيل والفلسطينيين وبالطبع برعاية امريكية.
– قانون فك الارتباط والانفصال عن المناطق المحتلة العام 2005، يجمع المنطقتين الفلسطينيتين قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، كما ان قانون الغائه في اذار 2023 شمل المنطقتين معا. يبدو قرار وزير الحرب والذي سيقوم بتنفيذه من خلال قائد المنطقة العسكرية الوسطى، يأتي ضمن خطة اوسع من مسألة المستوطنات الاربع في شمال الضفة. وكان واضحا بأن اعادة الاستيطان لن تتم ما لم يقم الاحتلال بتغيير معالم المنطقة وحصريا تهديد الوجود الفلسطيني في جنين المدينة والمخيم باعتبارها حاضنة لعناصر مقاومة الاحتلال. فعليا جاء الاجتياح المتجدد والمتكرر بصورته الاكثر كثافة لمخيم جنين من اجل تدمير البنية الحياتية لسكانه وجعله غير قابل للحياة سعيا لتهجيره تمهيدا لإعادة استيطان المنطقة.
– من المتوقع ان يستند سموتريتش والصهيونية الدينية ومجلس المستوطنات الى قرار غالنت، لتوسيعه ليشمل قطاع غزة التي تتحول الى منطقة تحت احتلال مستدام. كما ان استيطان مكثف في المنطقة المعرفة ب1ـ E انما سيقوّض احتمالات قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا في الضفة الغربية. في حين ان تصريحات نتنياهو بالإنجليزية بأنه يعارض استيطان قطاع غزة، فهي تصريحات استهلاكية اذ ان الحركة الاستيطانية منذ بداية السبعينات هي اقوى من قرار اي رئيس حكومة، وهو ما أخفق به اسحق رابين عام 1975 حين بدء العمل ميدانيا باستيطان وسط وشمال الضفة رغما عن اعتراضه وبتأييد شمعون بيرس للاستيطان، ضمن ما اعتمد لاحقا تسميته “سابقة ألون موريه /كدوميم” على اسم المستوطنة المشهورة.
– قرار معاقبة السلطة الفلسطينية سعيا لتقويضها ردا على اعتراف كل من ايرلندا واسبانيا والنرويج، هو جزء لا يتجزأ من مخطط استراتيجي وتطبيق تدريجي لخطة الحسم التي اتت بها الصهيونية الدينية لتصفية الوجود الفلسطيني في كامل الجغرافية الفلسطينية، ووفقا للعقيدة اليمينية وللعقيدة السياسية التوراتية بمفهوم “ارض اسرائيل لشعب اسرائيل”. الا انه يأتي في حالة ضياع البوصلة الاستراتيجية والاولويات القومية الاسرائيلية، وهذا قد يفسر استغاثة حكومة نتنياهو بادارة بايدن ودول اوروبية معينة للوقوف في وجه هذه الموجة من الاعتراف دوليا بدولة فلسطين خارج عملية التفاوض.
– التقدير ان قرار الاعتراف الثلاثي قد يشحن الحراكات الطلابية والاحتجاجية المناصرة لفلسطين في اوروبا والولايات المتحدة بمزيد من القوة والجهوزية لمواصلة احتجاجاتها التي بدأت تثمر في تغيير مواقف دول اوروبية.
– التقدم في اجراءات تشريع إتباع مستعمرة كريات أربع في مدينة الخليل لسلطة “تطوير النقب” هو قرار استراتيجي وأبعد من مسألة الميزانيات والدعم الحكومي، بل يتكامل مع ما تقوم به الدولة من خلال “سلطة تطوير النقب” بعملية تطهير عرقي شملت هدم 47 منزلا فلسطينيا بدويا في عملية واحدة جرت قبل ايام في وادي الخليل في النقب اي داخل “الخط الاخضر”، وهي منطقة معدة للتهويد واقتلاع السكان الفلسطينيين العرب سعيا لخطة مستقبلية غير مصادق عليها بعد، لإطالة شارع “عابر اسرائيل” الاستراتيجي ليصل الى ايلات. بينما جغرافياً هي المنطقة التي كان من المفترض ان تربط الضفة الغربية بقطاع غزة لتشكل ممرا للسكك الحديدية والشوارع السريعة لضمان مقومات الدولة الفلسطينية.
الخلاصة:
الاعتراف الثلاثي هو خطوة عظيمة الاثر فلسطينيا وفيها إدراك بضرورة السعي لإخراج قضية فلسطين من إطار الحلول الثنائية مع اسرائيل وبرعاية امريكية الى فرض امر واقع عليها وفقا للقانون الدولي.
رغم تصعيد اللهجة الاسرائيلية ضد الدول الثلاث، هناك بداية إدراك دولي بتقلص حدود قوة السطوة الاسرائيلية المسنودة امريكيا بشكل مطلق، وباعتبار قضية فلسطين هي مسؤولية دولية مباشرة ولا يجوز التسامح مع مخططات حسمها اسرائيليا.
يبدو أن الفترة القريبة ستشهد تصعيدا اسرائيليا شاملا في غزة والضفة الغربية والقدس لفرض الوقائع على الارض، بما فيه تطبيق مركبات جوهرية من “خطة الحسم” لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية ايضا، اضافة لتوسع استيطاني، بالإضافة الى تكثيف مخططات تهويد واستيطان النقب وتهجير اهله الفلسطينيين وحصريا في منطقة وادي الخليل الرابط بين جنوب الضفة وغزة.
تشهد المرحلة مساعٍ اسرائيلية مكثفة لتقويض السلطة الفلسطينية في مسعى لتقويض اية امكانية لقيام دولة فلسطينية او للربط بين مصير غزة والضفة
السند الاساسي لفلسطين دوليا هو حركات الاحتجاج ضد الحرب على غزة وحراكات الطلاب في الجامعات الغربية التي بدأت تؤتي بثمار تغيير سياسات بعض الحكومات.
تجد المؤسسة الاسرائيلية المخفقة في تحقيق اهداف حربها، انها في سباق مع الزمن يتطلب تكثيف حربها وقمعها في كل الجغرافيا الفلسطينية.
المصدر: مركز تقدم للسياسات