منذ سنواتً عَشِرْ، انطلق قطار الثورة السورية يجوب كلَّ المدن والقرى والحواضر متجهاً نحو محطة أمانيهم لاستعادة حريتهم وكرامتهم المسلوبة منذ نصف قرنٍ مضى. كان كلُّ ركاب القطار من الوطنيين الشرفاء، يحملون بأيديهم وروداً بيضاء ملفوفة بعَلَمِ الاستقلال (رمز تحررهم من الاستعمار)، مناشدين النظام بضرورة الإصلاح واجتثاث الفساد.
لقد جمع المشهد جمهرةً واسعةً من الشرائح المجتمعية من ذواتٍ مختلفةٍ وطباعٍ متقاربةٍ ومفاهيمٍ متعددةٍ، يُوَحِدُها الوجدان الوطنيّ، ولم يفرَّقها العَوَزُ إلى فكرٍ فلسفي ذو أيدولوجية واحدة، بل كانت ثورتهم منبثقةً من نَفرةٍ جماعية نابعة من فطرتهم الوطنية فقط. لذلك كان أداء هذه العناصر الثورية يحاول تجاوز هذا العطب المنهجي، محاولين أن تكون ردود فعل كل كيان ثوري يصب جهوده في بوتقة ثوابت الثورة السلمية.
وبالمقابل واجه النظام بخباثته وحنكته الاستبدادية هذه الثورة البريئة والنظيفة بأن تَغَوَّلَ بالقتل والتدمير مع استخدام ما يتقنه من أدوات الضغط النفسي والجسدي لتشتيت وتعطيل مسار الثورة، مستغلا طيبة الإنسان السوري وحسن نواياه.
هل نجحت الثورة أم فشلت؟
هذا هو السؤال الذي يطرحه الكثيرون عن الثورة السورية لعدة سنوات خلت، وكان الجواب محل نقاش من قبل محللين عربٍ وأجانبٍ، وأعداد غفيرة من الإعلاميين والصحفيين والسياسيين (سوريين وعرب وأجانب) على حد سواء. وقد كشفت المحادثات الأخيرة التي سبقت الذكرى العاشرة لانطلاق الثورة السورية، سواء فيما يتعلق بالتحضيرات والترتيبات لإحياء ذكراها أو المقالات المكتوبة والبرامج التلفزيونية والإذاعية أو البودكاست، علاوة على وقفات المعارضة أو التظاهرات التي تجاوزت الداخل السوري منتشرة في مدن القارات السبع، حيث تميّزت هذه الجهود بحماس كبير لدى البعض، وبنفس الوقت بحماس متواضع عند البعض الآخر.
نعم ... سأقولها بجرأة من يمتلك الحق والحقيقة: أنَّ كلّ من يظن أن الثورة السورية قد فشلت، يكون سطحي التفكير وساذج السجيَّة. وذلك لأنَّ الثورة (كائن حيّ)، تشبه الإنسان بعد أن يصبح ضعيفا وذي عِلَّةٍ، لا بُدَّ أنْ يدخل المستشفى ليعالج... وهناك تتوفر إمكانية الشفاء حتى لو احتاج إلى العناية المركزة والمتابعة الحثيثة من قبل الأطباء. لا أحد يستطيع أن يتنبأ بيقين مطلق فيما إذا كان هذا المريض سيعيش أم سيموت لأن استمرار حياته يحدده في النهاية خالق هذا الكون، ولكن يبقى الأمل موجوداً والإرادة سيدة الموقف للتعافي واستمرار الحياة حتى آخر نفسٍ يخرج.
لقد استمرت الثورة إلى اليوم قسراً عن الأهوال التي لاقتها، لكونها الموضوع الرئيس للحوار بين السوريين لعقد كامل. وهذا دليل على نجاحها. وعلى الرغم من كل الظروف التي مرت بها إلا إن السوريين الذين يرفضون التخلي عن مُثُل الحرية والعدالة والكرامة يعرفون جيدًا الذين شاركوهم همومهم ووقفوا إلى جانبهم، وعلى الجانب الآخر، أولئك الذين وقفوا ضدهم، وهذا الأمر لن يمحو أسماءهم من أسطر تاريخ هذه الثورة الأسطورة.
أما الحديث عن إنجازات الثورة السورية، فمثلها مثل أي إنجاز آخر ، رغم أنها شهدت إخفاقات كثيرة، لم تكبو، بل حققت الكثير بنفس الوقت.
إنَّ لكل حركة ثورية لها منتقديها، وثورتنا ليست استثناء. أما بالنسبة إلى مروّجي النقد الهدَّام، لربما نجحوا بالتشويش لفترة وجيزة، لكن العقول الحرة النيِّرة تستمر في إمداد قلب المريض بدفعات من الطاقة الإيجابية، وبالتالي سيبقى السفين يبحر في يَمِّ (الحريَّة) وبالاتجاه الصحيح.
صحيح أن السوريين الأحرار منتشرون الآن في جميع أنحاء العالم، لكنهم لن يندموا أبدًا على وقوفهم مع الثورة بعد عشر سنوات من منح حلمهم في الحرية أجنحة وقد تعهد السوريون الأحرار بمواصلة إبقاء هذا الحلم على قيد الحياة. ويقدر عدد ضحايا وحشية الأسد بجراح جسدية ونفسية بالملايين وهم من دفع الثمن الباهظ لوقوفهم ضد الجناة للبقاء في السلطة.
لقد تم كسر حاجز الخوف الذي أبقى السوريين صامتين في عهد الإرهاب لعائلة الأسد على يد المتظاهرين الشجعان الذين ملأوا الشوارع لأول مرة بدعواتهم لإصلاح الحكومة في هذا اليوم قبل عشر سنوات حيث كان رد الأسد الوحشي والطريقة التي حرفت بها وسائل الإعلام الحقيقة بالدعاية والأكاذيب وهي التي أشعلت نار الثورة وجعلتها تنمو. إذا فشل أي شيء فهو نظام الأسد ولن تسقط جرائمه بالتقادم ومصيره وعصابته سيُعرض على المحكمة الجنائية الدولية عاجلاً أم آجلاً.
الخاتمة :
أملنا هو الغاية الملحّة أن نعيش في بلدنا بسلام كما كنا دائماً . وطن يجمع كلّ السوريين بمختلف أطيافهم ضمن دولة قانون ودستور يصون الحقوق للجميع، نابذين أي نظام استبدادي شمولي فتح باب الاحتلال ومارس أبشع الجرائم بحق شعبه من أجل البقاء في السلطة....
سيتحقق الأمل ما دام القطار على السكة رغم كل الصعوبات التي واجهها ويواجهها وسيواجهها في كل المراحل، والله كفيل بإحقاق الحق وهو خير الشاهدين....