المرأة والعنف الرقمي .... هل التكنولوجيا خدمت العدالة

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
في الآونة الأخيرة أصبحت المرأة معرضة للعديد من المخاطر التي تقف عائقاً أمام أداء دورها في تنمية المجتمع، فقد تزايدت ممارسات العنف ضد النساء في المجتمع العربي، كالتحرش الجنسي والإعتداء اللفظي أو البدني سواءً كان ذلك داخل الأسرة أم خارجها،
بالإضافة إلى تعرضها للتمييز في مجالات العمل المختلفة.
فالمرأة تشكل نصف المجتمع ولعبت دوراً مهماً في تنمية المجتمعات قديماً وحديثاً، وأثبتت أنها قادرة على التغيير الجذري والفعال بما يخدم تلك المجتمعات.
ومن أهم المشاكل التي تعاني منها المرأة في معظم المجتمعات هو العنف ضد المرأة، والذي تعود جذوره واسبابه الحقيقية إلى المجتمع بمفاهيمه الثقافية والاجتماعية والتشريعية.
فبعض الرجال في مجتمعاتنا يحط من قدر المرأة، ويصادر أغلب حقوقها ويجعلها تتقبل الكثير من مظاهر العنف التي تُمارس عليها على أنها تصرف طبيعي وحق للرجل.
فالعادات والتقاليد والاعراف مازالت تنظر إلى العنف الأسري على أنه من أسرار البيوت.
عند ذكر كلمة العنف يتبادر إلى أذهاننا العنف الجسدي، إلا أن للعنف أشكال كثيرة أحد هذه الأشكال هو ما يسمى العنف الإلكتروني أو العنف الرقمي.
وتعريف العنف الإلكتروني ارتبط باستخدام الأجهزة التكنولوجية، ويقصد به كل السلوكيات المتعمدة والمتكررة التي تكون على شكل مضايقات أو تهديدات من الأجهزة الإلكترونية والمعتدي قد يكون مجهول الهوية، وقد ترتكب من قبل فرد أو جماعة.
المقررة الخاصة السابقة للأمم المتحدة بشأن العنف ضد المرأة وعواقبه (دوبرافكا سيمونوفيتش) عرفت العنف ضد المرأة عبر الانترنت على أنه "أي عمل من أعمال العنف ضد المرأة تستخدم في ارتكابه أو تساعد عليه أو تزيد من حدته جزئياً أو كلياً تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كالهواتف المحمولة والهواتف الذكية أو الانترنت أو منصات التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني والذي يستهدف المرأة لأنها امرأة أو يؤثر في النساء بشكل غير متناسب".
أوضح صندوق السكان العالمي التابع للأمم المتحدة في إحصاءه الأخير أن معدل الانتشار العالمي للعنف الرقمي ضد النساء والفتيات يبلغ 85% ويشمل ذلك النساء اللواتي عانين من العنف شخصياً أو شاهدنه ضد نساء اخريات.
وبالتالي فهو تعدي على الحقوق الإنسانية للمرأة التي تكفلها المواثيق والإتفاقيات الحقوقية الدولية.
ويعد العنف الإلكتروني من أكثر أنواع العنف صعوبةً وخطورةً وتهديداً للمجتمع وقيمه، إذ أنه يمس الحياة الاجتماعية والنفسية للأفراد والأسرة نهاية بالمجتمع.
وخطورته تأتي من أن قوانين الجرائم الإلكترونية غير معروفة للجميع، وخصوصاً النساء فهو قانون حديث نسبياً، إضافةً إلى أن الفضاء الإلكتروني فضاء متجدد بشكل دائم، وهناك تكنولوجيا حديثة تصدر باستمرار، وبالتالي القوانين لا تستطيع الإلمام بكل جوانب العنف الإلكتروني.
تتعرض النساء للعنف الرقمي بشكل يومي من خلال استخدامهن لشبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وهناك عدة صور للعنف الإلكتروني ضد المرأة، كالسب والشتم وأختراق الخصوصية، والتنمر ضد المرأة وهو استغلال حالة للضحية يعتقد الجاني أنها تسيئ لها وذلك بقصد تخويفها والحط من شأنها، أيضاً التحرش الإلكتروني كإرسال تعليقات أو محتويات مسيئة للضحية بهدف اهانتها، والإبتزاز الإلكتروني الذي هو اجبار الضحية على الاستجابة لمطالب الشخص المبتز إثر تهديدها بنشر مايسيئ لها.
فمجرمو الانترنت يبحثون دائماً عن فريسة سهلة، فيستهدفون النساء عموماً لأنهن لا يمتلكن الخبرة التقنية التي تمكنهن من محاربة هذا العنف، وهنا يقع على عاتق مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني الخاصة بالنساء مسؤولية تدريبهن لحماية أنفسهن من الانتهاكات في الفضاء الإلكتروني.
ولا ننسى طبيعة مجتمعنا العربي بعاداته تقاليده تجعل النساء دائماً في حالة من الخوف والخجل تمنعها من طلب المساعدة في حال تعرضها للإبتزاز الإلكتروني، خصوصاً أن هناك الكثير من قصص قتل النساء لمجرد شك الأب أو الأخ أو الزوج أنها تتحدث مع رجل عبر الانترنت.
أما من الناحية القانونية، فأغلب البلدان لايوجد لديها قانون قائم بذاته لمنع ومكافحة العنف الموجه ضد المرأة، وبعض الدول أصدرت قانوناً للعنف ضد المرأة يتجاهل في أغلب الحالات العنف عبر الانترنت ويقتصر على العنف داخل الأسرة.
لذلك فإن اعتماد قانوناً شاملاً للعنف ضد المرأة يشمل أشكال العنف عبر الانترنت، يعتبر خطوة كبيرة في محاربة العنف بشكل كامل.
ولا ننسى المسؤولية التي يتحملها مقدمو خدمات التكنولوجيا والاتصال، فمثلاً منصات التواصل الاجتماعي لا تتفاعل دائماً عندما يتم الإبلاغ عن العنف، وبالتالي ينبغي على الدول والحكومات أن تحترم التزاماتها تجاه القانون الدولي، وأن تعتمد على تدابير واسس لتثقيف الرجال حول عدم ممارستهم للعنف ضد المرأة، ومحاكمة مقترفي العنف على الوجه المناسب، ذلك لأن الفضاء الإلكتروني هو فضاء عام وينبغي أن تتمتع النساء بحقوقهم كاملة داخله.
وأمام كل حالات العنف الإلكتروني فإنه ومن الضروري على النساء والفتيات أن يكشفن عن المبتزين والمتحرشين إلكترونياً، ولا يترددن في إبلاغ الجهات المختصة لأخذ حقهن وحماية غيرهن من الفتيات والنساء.
فالمطلوب اليوم هو تكاثف الجهود لوضع حد للإساءة والمضايقات عبر الانترنت، عن طريق تأسيس وحدة لرصد العنف ضد النساء في الإعلام، والتحليلات التي تصدر عن هذه الوحدة يمكن أن تسهم في صياغة رسائل تتناول قضايا العنف الإلكتروني ضد النساء، وتساعد على تشكيل حملة إعلامية تستهدف النهوض بالوعي العام، حول التداعيات السلبية للعنف الإلكتروني ضد النساء، أيضاً تشديد الرقابة على المحتوى الإعلامي والدرامي وحذف كل المقاطع التي تروج للعنف بكافة صوره وأشكاله، مع إبراز الجانب الإيجابي للعلاقات الإنسانية.
تنفيذ برامج تثقيفية للنساء لمعرفة حقوقهن وكيفية الحصول عليها، فضلاً عن التوعية بشأن القوانين المتعلقة بظاهرة العنف الإلكتروني حتى لا يظن البعض أنه بعيداً عن المسائلة.
وإدراك أن هذه المظاهر هي علل اجتماعية مرتبطة بالنظرة الدونية التي ينظرها البعض للنساء، وعدم احترامهم لدور المرأة ومكانتها في المجتمع.

ميسون محمد

محامية وكاتبة صحفية