شبهات أصبحت طيّ النسيان..

(بموجب حق الرد والرأي والرأي الآخر يخصص السوري اليوم المساحة المسموح بها قانونياً للرد على مقال الأستاذ غزوان قرنفل الذي نشر الأسبوع الماضي. ونذكّر أن رأي الكتّاب لا يعبر بالضرورة عن رأي السوري اليوم)


بسم الله الرحمن الرحيم ،الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

ارسل الله سبحانه النبي محمد صلى الله عليه وسلم للناس كافة ورسالته ناسخة لكل الأديان فتعهد الله بحفظها الى يوم الدين؛ ولأنّ السنة النبوية وحي من الله لقوله (وما ينطق عن الهوى )فهي داخلة في عموم قوله تعالى (إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون)

فترد بين الفينة والأخرى شبهة يروج لها بمن يسمون بالقرآنيين وهم طائفة يرون أنّ القرآن هو المصدر الوحيد للتشريع.

هذه الشبهة أصبحت طي النسيان بعد انكسار فلول المستشرقين وأذيالهم في العالم العربي و ما لاقوه من ردود قوية على أيدي بعض العلماء آنذاك، واليوم نسمعها من غزوان قرنفل فنقول: 

أولاً: إن كان يعتقد بحجية القرآن ففي القرآن آيات تدل على حجية السنة وان كلام النبي صلى الله عليه وسلم حجة، وذلك في آيات كثيرة منها قوله تعالى: ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) و ومنها قوله تعالى:  ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ومنها قوله تعالى: ( من يطع الرسول فقد اطاع الله) وقوله تعالى: ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )، والآيات في هذا الصدد كثيرة، وكلّها تقرن طاعة الرسول بطاعة الله.

 

ثانياً: الاحكام والفرائض التي وردت في القرآن لم تأتِ مفصلة وإنّما ذكرها الله سبحانه في كتابه بعمومها دون تفصيل لتأتي السنة لتفصلها؛ فأمر الله عز وجل بالصلاة ولم يبين عدد الركعات وكيفية الصلاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) 

وأمر الله بالحج ولم يشرح المناسك ولم يفصل ولم يبين كيفيتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( خذوا عني مناسككم)، وأمر الله بالزكاة ولم يبين مقدارها ونصابها، وغيرها من الأحكام.

فلم يذكر في القرآن أحكام الطهارة ولا البيوع ونهى عن الربا ولم يذكر أنواع الربا ، بل إنّك لا تكاد تجد حكماً إلا وله تفصيل وايضاح وتبيان من السنة الشريفة.


 ثالثاً: أما فيما يتعلق بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال الله تعالى:"مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ" هذه الآية من أقوى الدلائل على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم "في جميع الأوامر والنواهي وفي كل ما يبلغه عن اللَّه" ويؤكد هذا أَمْرُه سبحانه وتعالى بالتسليم التام لحكم النبي صلى الله عليه وسلم "فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"، "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ" وتحذيره من مخالفة أمره "فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"، وأمره برد القول إليه "فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ" والردّ إلى الله هو الردّ إلى كتابه والردّ إلى الرسول هو الردّ إلى سنته، فهذه الآيات بالإضافة إلى آيات أخرى كثيرة لا يتسع المقام لذكرها، فضلا عن كون كل واحدة منها دليلا مستقلا بذاته إلا أن ضم بعضها إلى بعض يفيد بشكل يقيني لا شك فيه. 

رابعا : أما القول بأن السنة أغلبها ظني: فإن السنة النبوية وضع لها المسلمون علوماً منهجية صلبة، لتوثيقها ومنع تسرب الدخيل إليها تقترب بها من اليقينية، مثل علم الجرح والتعديل الذي عُنِيَّ بتدوين تاريخ رواة السنة؛ جرحا وتعديلا، وعلم المصطلح الذي وَضَعَ أصولا واضحة لتميز الحديث الصحيح من الحديث الضعيف، مثل اشتراط عدالة الرواة واتصال السند وسلامته من الشذوذ ومن الاضطراب

 خامسا : لا ينكر أحد ان النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو بشر فربه يقول وهو يقول إنه بشر ينام ويرقد ويأكل ويشرب ويتزوج ولعل أفضل ما قاله صلى الله عليه وسلم في هذا السياق يبين فيه انه بشر وأن سنته راسخة ولا ينبغي أن نعرض عنها قوله صلى الله عليه وسلم (أما و الله إني لأخشاكم لله و أتقاكم له لكني أصوم و أفطر و أصلي و أرقد و أتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني).

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.

بدر الندى

مجاز في القرآن الكريم