يعرف المنافقون بعضهم.. نعم أعلم بأنه أمر معروف، وليست معلومة جديدة المنافق كائن ضعيف، والنفاق سلاح فعال وسبيل لتقوية الجانب الضعيف
فتعويض النقص وإثبات الذات يبدأ خارج المنظومة الاجتماعية والبيئة الضحلة أو الفقيرة والمتخلفة في اعتقاده، فيعتقدها عدواً وخصماً لا بد من التخلص منه والتنكر له، وهذا ما يبرر التزلف والتماهي للسيد بما يقول ويفعل.
في الفضاء العلمي، ربما يصل المنافق لأماكن متقدمة في التحصيل والثقافة، لكن تبقى لديه عقدة النظير الثقافي، لماذا؟
العلم والأخلاق لهما رباط عجيب، والنفاق المتولد عن الشعور بالنقص كما ذكرت سابقاً يولد حالة فريدة من التوحش وفجوراً بالخصومة، فالنظير لا يمكن أن يراه إلا خصماً يهدد تقدمه وسعيه.. هذا أولاً.
ثانياً: المنافق يعرف بأنه رقم اثنين، مع أنه هو نفسه من رضي بهذا سبيلاً له، إلا أن ذلك يجعله شرساً مع النظير أو المنافس له، وبهذا يقول ابن رشد: "ما من رجل تكبّر أو تجبّر إلا لذلّةٍ وجدها في نفسه".
عقدة رقم اثنين تلازمه حتى لو حصل على منصب رفيع، يبقى هذا التلازم وبالاً عليه وعلى من حوله ومن دونه، فطبعه يحتم عليه أن يبقى ظلاً للسيد، ثم إن حقده على هذا الطبع يجعله ناراً حارقة لمن يقتربون من حدوده أو يشعر بخطرهم عليه وعلى كرسيه.
النفاق يجده الأصحاء علة مجتمعية وداء خطيراً على المجتمعات والمؤسسات والأفراد يجب التحذير منه ومن أخطاره.
وكذلك أصحابه يجدونه عادة مزعجة يجب التعامل مع وجودها والتعود عليها.
النفاق لا يقبل التساوي بمعنى:
يمكن أن تجد ضمن الدائرة الواحدة، أو ضمن محيط العمل مجموعة من المنافقين، يعرفون بعضهم، ويعطون انطباعاً جيداً في الابتسامة وتبادل الأحاديث والتصفيق،، هذا مقبول وشائع، لكن التساوي بدرجة النفاق في الغالب يولد حرباً ومزاحمة.
مجتمع المنافقين يثير العجب، لأنك تجدها منظومة توافقية متوافقة، قادرة على إظهار الصورة بشكل جيد، تجعل الآخرين يشككون بكل ما يرونه من تشوهات.
على سبيل المثال لا الحصر: تطالع جريدة أصبح لها اسمها في عالم الصحافة، ولا شك بأن فيها كُتاباً على مستوى مرتفع، ومقالات مهمة تستحق القراءة والمتابعة.
وإذا بنا نجد موادَّ ليس فقط لا تستحق القراءة ولا قيمة علمية أو أدبية لها، بل لا تستحق احترام أصحابها لما تجده من الرداءة والتفاهة والمغالطات.
يكتمل المشهد بالتصفيق والثناء، والتكريم أيضاً
عندما توسع المشهد قليلاً ستلاحظ بأنها الدائرة نفسها، والمنظومة نفسها، صفق لي لأصفق لك.
النفاق غالبا ما يرتبط بعلة الحسد، فليس كل حسود منافق، لكن في الغالب كل منافق حسود، ولهذل يمكن أن نقرأ هذا المعنى من حديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: "وإذا خاصم فجر.."، والحديث عن آيات المنافق، فالفجر بالخصومة من علامات الحسد الطاغي، والمتمكن من النفس .
ومما ينفرد به المنافق، أن لا صاحب حقيقي له، الصديق الذي يٰعتمد عليه، فغالب صداقاته مرتبطة بالنفعية، ومتى زالت تتلاشى معها.
النفاق أعلى مراحل الكذب، وأسوأه، والمنافق كذاب بكل حالاته، بمدحه وهجائه، بجده وهزله، لا وعد له ولا ميثاق، والسبب المنطقي في رأيي يعود لعدة أسباب أهمها الثمن الذي دفعه للوصول من استذلال لنفسه استرضاءً لمن هو أعلى منه منصبا، فهو يرى بأنه يستحق ممن دونه استذلالا أكبر لجهته.
وأمر آخر.. بأنه اعتمد على هذه الخصلة في الوصول، ومن اعتمد على أمر ركن إليه
كمثل من يعتمد من الطلاب على الغش، ينشغل عما يقدر عليه من دراسة وتحصيل ويلجأ للغش، فيتعطل العقل تماما، والسبب بأن العقل لا يمكن له أن يركز على مسألتين بشكل جيد وصحيح.
واعتماد المنافق كذلك على عادته تجعله متراخيا في التحصيل العلمي والمعرفي، فالمنافسة محصورة برسم مخطط النفاق.
النفاق نفق ضيق باتجاه واحد، والمؤونة فيه سهلة، لكن في الغالب لا عودة منه، وهذا ما يفسر تلاشي ذكرهم مع انتهاء دورهم وغيابهم عن المشهد.