من واشنطن إلى دمشق... حين تختبر التكنولوجيا رمزية اللحظة

من احتفال إطلاق الهوية البصرية الجديدة لسوريا
من احتفال إطلاق الهوية البصرية الجديدة لسوريا



في حفل تنصيب الرئيس الأميركي باراك أوباما عام 2009، وأمام أكثر من 1.5 مليون شخص احتشدوا في "ناشونال مول" بواشنطن، واجه المنظمون تحديًا تقنيًا مفاجئًا: تعطّلت أنظمة الصوت في بعض مناطق الجمهور، ما حال دون سماع جزء من الخطاب التاريخي للرئيس الجديد، رغم استخدام واحدة من أضخم منظومات الصوت في تاريخ المناسبات المدنية الأمريكية. ورغم الجهود الهائلة التي بُذلت، إلا أن هذا الخلل المحدود في لحظة مفصلية أثار انتقادات وتساؤلات حول الجاهزية التقنية وأهمية التخطيط المحكم لمثل هذه اللحظات الرمزية.

حادثة مشابهة، وإن اختلفت في السياق، وقعت مؤخرًا في دمشق خلال حفل إطلاق الهوية البصرية الجديدة للجمهورية العربية السورية، في مناسبة كان يُفترض أن تُجسّد لحظة إجماع وبداية مرحلة جديدة.

خلل تقني يربك اللحظة... وتساؤلات في العمق

شهد الحفل خللًا تمثّل في انقطاع الصوت كليًا عن البث المباشر، بدءًا من اللحظات الأولى وحتى منتصف كلمة السيد الرئيس، ما حال دون وصول الرسائل الافتتاحية بوضوح إلى الجمهور العريض داخل البلاد وخارجها. وقد اقتصر السماع على مكبرات الصوت في القاعة، ما أثّر لاحقًا على وضوح كلمات السادة الوزراء والمتحدثين، بمن فيهم المتحدث الرسمي عن مشروع الهوية البصرية.

ورغم أن الفريق التقني تمكّن من تدارك الخلل لاحقًا، إلا أن تكرار الإخفاقات الفنية في لحظات مفصلية يدفع إلى التساؤل — لا فقط عن الجاهزية التقنية — بل عن حجم التنسيق والكفاءة في إدارة المشهد الإعلامي على مستوىً يليق بهذه المناسبات الوطنية.

خطر الاختراق... أم قلة مرونة؟

من بين السيناريوهات التي لا يمكن استبعادها، احتمال وجود عبث تقني متعمّد، تقف وراءه جهات قد لا تزال تدين بولائها لدوائرٍ لفظها الزمن السياسي، وتحاول الإرباك من داخل المؤسسات، في توقيت بالغ الرمزية.

لكن في المقابل، لا يُمكن إغفال مسألة أكثر هدوءًا وإن كانت لا تقل أثرًا: أن بعض المسؤولين عن الإعلام الرسمي في مواقع القرار يختارون — بدافع الحذر وربما المبالغة في الخوف من "الفلول" — الإعراض عن الاستفادة من خبرات إعلامية سورية راكمت تجارب عميقة. فيبقى الخطأ التقني في الظاهر، بينما تُراكم بعض السياسات المغلقة أخطاء مهنية تمسّ جوهر المهنة ومكانة الرسالة الإعلامية.

نحو إعلام يرتقي إلى اللحظة

السوريون اليوم يملكون من الوعي ما يجعلهم يفرّقون بين الإخفاق العرضي والتراخي الهيكلي. وما يحتاجونه من إعلام الدولة هو القدرة على مرافقة التحوّلات بثقة واحتراف، دون ارتباك أو تردد. فالمحاسبة البناءة، والمكاشفة الواضحة، لا تضعف المؤسسات بل تحصّنها، وتعيد ثقة الجمهور إليها في كل منعطف.

سيوف عرابي

سيوف عرابي 

مترجمة وكاتبة محتوى 

مختصة في علم التواصل الجماهيري