ملامح الانتقال المدني السوري في مقابلة أحمد الشرع: التفاؤل والغموض

أحمد الشرع قائد الإدارة الجديدة في سوريا (العربية)
أحمد الشرع قائد الإدارة الجديدة في سوريا (العربية)

مع متابعتي للأخبار اليومية لما يحدث في سوريا بعد الأسد، خاصة فيما يتعلق بأداء القيادة السياسية والعسكرية والحكومة، أجد أن هناك جوانب واضحة في أقوال وأفعال هذه القيادة، وأخرى غامضة وملتبسة. في مقابلة تلفزيونية مع "بي بي سي" أجريت مع أحمد الشرع، قائد هيئة تحرير الشام، تم إيضاح بعض الأمور بينما ظلت أخرى غير واضحة، سواء بين السطور أو خارج النقاش. في هذا المقال، سأقدم رؤيتي لما تم الحديث عنه وما تم تجنبه، موضحًا أن الأمور الإيجابية كانت أكثر بكثير من السلبيات، أو على الأقل من تلك التي تتطلب تحسينًا.

تحدث أحمد الشرع عن رؤيته للانتقال المدني السوري، مؤكدًا على عقد مؤتمر وطني سوري يمثل جميع مكونات الشعب، بما في ذلك المكونات الأيديولوجية والدينية والإثنية. سينبثق عن هذا المؤتمر لجنة لإعداد الدستور ومن ثم إجراء انتخابات لتشكيل برلمان وانتخاب رئيس. أشار الشرع إلى أن "سوريا الجديدة" لن تشكل تهديدًا لجيرانها، وأن جميع الخلافات سيتم حلها عبر الضغط الدبلوماسي والعودة إلى المجتمع الدولي. وأعطى مثالًا على الرسائل الموجهة إلى الأمم المتحدة حول الانتهاكات الإسرائيلية لخط الهدنة منذ 1974.

عندما سئل عن استخدامه للعنف في إدلب، أوضح أن العنف كان قانونيًا نظرًا للتعدي على المؤسسات العامة. وعندما قورن الأمر بما فعلته طالبان، أكد الشرع على الفروق السوسيولوجية والثقافية بين سوريا وأفغانستان.

ما لفت انتباهي هو تواضع الشرع في المقابلة، حيث كان يقول إنه لا يستطيع الإفتاء في أمور معينة وأن القرار يعود للشعب والقانونيين والدستور. في الوقت نفسه، أظهر ثقة بنفسه قائلاً إن ما يهمه هو اقتناع السوريين به، بغض النظر عن الآخرين خارج سوريا.

أود التركيز على الأجندة الاجتماعية المستقبلية لسوريا التي طرحها الشرع، حيث لم يستخدم مفاهيم "الشريعة" أو "الدولة الإسلامية". تعامل مع الصحفي بلغة "العقل العمومي" التي يسميها الفيلسوف جون رولز، وهي لغة أخلاقية مشتركة بين جميع السوريين. وعندما سُئل عن حقوق المرأة في سوريا الجديدة، تهرب من السؤال مشيرًا إلى أن الأولوية هي بناء سوريا لكل مكوناتها.

عندما تحدث عن القضايا الاجتماعية والسياسية، استخدم تعبيرات مثل "الدستور"، و"القانون"، و"الشعب يقرر"، لكنه تجنب استخدام مصطلح "الديمقراطية". يبدو أن الشرع ينتمي إلى مدرسة فكرية إسلامية تستخدم مفردات معجمية إسلامية بدلاً من المصطلحات الكونية. عندما سُئل عن دولة ديمقراطية، استبدل المصطلح بمفهوم "دولة القانون والدستور والمساواة بين السوريين". تجنب الشرع الإجابة المباشرة على أسئلة حول الحريات العامة، مشيرًا إلى أن القرار متروك للقانونيين.

ما أعجبني في حديث الشرع هو إيمانه بالتمايز بين الديني والسياسي واستخدامه لمفهوم الدولة المدنية. رغم ذلك، فإن غموضه حول قضايا الأخلاق العمومية قد يثير شكوك بعض السوريين الذين لا يثقون بالإسلاميين بسبب مواقفهم الملتبسة. هذه الشكوك مشروعة لأن بعض الإسلاميين المتزمتين يخلطون بين الداعي والسياسي. لذا، أعتقد أن خطاب الشرع في هذا الجانب لم يكن حكيمًا.

الفصل بين مفهوم العدل وتصورات الخير المتعددة أمر بالغ الأهمية. كان من الأفضل أن يوضح الشرع رؤيته لمستقبل سوريا في هذا السياق، بدلاً من الاكتفاء بالقول إن الدستور والقانون سيحسمان الأمر. هذا الغموض قد يدفع البعض إلى الشك في توجه القيادة الجديدة لسوريا. رغم النقد، أرى أن تواضع الشرع وخبرته تجعله شخصًا انعكاسيًا يتغير مع السياق. ما أسعدني هو زيارة وفد من حزب العدالة والتنمية التركي للحكومة السورية وتقديم المشورة للاستفادة من التجربة التركية في التمايز بين الديني والسياسي.

مع ذلك، فإن استخدام المفردات المعجمية المحلية فقط يحد من الفضاء الفكري والسياسي المشترك مع المجتمع الدولي. يدرك أحمد الشرع أن سوريا بحاجة إلى دور المجتمع الدولي في إعادة إعمارها، لكنه يتجنب استخدام مصطلحات حقوق الإنسان والديمقراطية، وهذا أمر مؤسف.


عصام يزبك

كاتب صحفي ومعلق صوتي

محب للقراءة والشعر