في مشهد مؤثر يعكس صمود الشعب السوري وتعلّقه بجذوره، شهدت منطقة مخيمات قاح شمال إدلب تفكيك مخيم التريمسة بالكامل، إيذانًا بعودة قاطنيه إلى بلدتهم الأصلية بريف حماة الشمالي بعد أربعة عشر عامًا من النزوح القسري الذي فرضته الحرب.
مخيم التريمسة، الذي أُنشئ في بدايات عام 2012 في منطقة قاح على الحدود السورية-التركية، كان ملاذًا لأكثر من 100 عائلة من بلدة التريمسة في ريف حماة، والتي تعرضت آنذاك لقصف عنيف أدى إلى تهجير جماعي. المخيم سُمّي باسم البلدة كنوع من التمسك بالهوية والانتماء.
ظروف العودة: هل تغير المشهد؟
تأتي هذه العودة الجماعية بعد سلسلة من التطورات الميدانية والإدارية والإنسانية في شمال سوريا، ومن أبرزها:
تحسن نسبي في الوضع الأمني في بعض مناطق الريف الحموي الشمالي، وخاصة المناطق القريبة من خطوط التماس مع قوات النظام، حيث توقفت العمليات العسكرية منذ سنوات نتيجة اتفاقيات التهدئة.
مبادرات محلية ودولية لإعادة الإعمار الجزئي وتأهيل البنية التحتية الأساسية في القرى المهجورة، خاصة من قبل منظمات المجتمع المدني في الشمال السوري بالتعاون مع المجالس المحلية.
ارتفاع تكاليف الحياة داخل المخيمات وازدياد الضغوط النفسية والاجتماعية على الأسر النازحة، مما جعل خيار العودة أكثر واقعية رغم مخاطره.
وجود إرادة مجتمعية قوية لدى سكان المخيم للعودة، إذ تم تنظيم أنفسهم خلال أشهر طويلة وبدأوا بتفقد بيوتهم وقراهم وتقييم الأضرار.
تسهيلات من قبل المجالس المحلية والمنظمات الإنسانية، التي زوّدت العائدين بمعدات أساسية وأدوات لترميم منازلهم ومساعدات غذائية للمرحلة الأولى من العودة.
واقع المخيمات في الشمال السوري
يعيش في شمال غرب سوريا، وخصوصًا في إدلب وريف حلب الشمالي، أكثر من 1.9 مليون نازح داخلي، بحسب تقارير الأمم المتحدة، يقطن معظمهم في أكثر من 1400 مخيم رسمي وعشوائي، أغلبها تفتقر للبنية التحتية الملائمة، وتعاني من ظروف إنسانية قاسية، خاصة في فصل الشتاء.
من بين هذه المخيمات، هناك عشرات تحمل أسماء قراها الأصلية، كرمز للانتماء والأمل بالعودة، مثل: مخيم كفرزيتا، مخيم خان شيخون، مخيم الهبيط وغيرها.
عودة سكان مخيم التريمسة تشكل سابقة وأملًا جديدًا لعشرات آلاف العائلات السورية التي لا تزال تنتظر فرصة العودة إلى ديارها، ولو جزئيًا. وبالرغم من استمرار التحديات الأمنية والسياسية، إلا أن هذه العودة تُعدّ خطوة رمزية تحمل في طياتها الكثير من الكرامة والعزيمة، وتجدد الحديث عن الحق الطبيعي لكل نازح ولاجئ في العودة الطوعية والآمنة إلى مسكنه الأصلي.
"نعود اليوم إلى التريمسة رغم أن بيوتنا مدمرة، لكن روحنا هناك، وسنبني من جديد"، قالها أحد العائدين وقد لفّ رأسه بكوفية ترابية اللون، بينما يجهز عربته بالفرش المتواضع والأمل الكبير.