بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، دخلت سوريا مرحلة من التحولات السياسية الحاسمة. وفي خضم هذه المرحلة، تسعى الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى تقويض جهود الاستقرار عبر مسارين متوازيين: تنشيط شبكات تهريب المخدرات، وإشعال التوترات الطائفية، بهدف تعطيل بناء السلطة الجديدة في دمشق.
الكبتاغون: اقتصاد الظل وسلاح التخريب الاجتماعي
خلال السنوات الماضية، تحولت سوريا إلى أحد المراكز الأساسية لإنتاج وتهريب “الكبتاغون”، وكان لإيران وميليشياتها، وعلى رأسها فيلق القدس، دور محوري في هذا النشاط. ففي مارس 2025، ضبطت قوات الأمن السورية أكثر من ثلاثة ملايين حبة كبتاغون داخل مستودع في مدينة حلب، وأشارت مصادر المعارضة إلى أن الشحنة كانت جزءًا من شبكة أكبر تُدار من قبل عناصر مرتبطة بإيران وحزب الله.
وتشير تقارير إلى أن فيلق القدس أعاد تفعيل شبكات التهريب في دير الزور، مستعينًا بنساء سوريات وإيرانيات يحملن هويات مزورة، ضمن شبكة تقودها امرأة إيرانية تُدعى هناء فاضل ومعاونتها سلمى الخالد. يتم تهريب هذه المواد عبر أنفاق سرية نحو العراق، ومن هناك إلى أسواق الخليج. وتُستخدم عائدات هذه التجارة غير المشروعة في تمويل ميليشيات تابعة لإيران في سوريا والعراق ولبنان.
توظيف الطائفية: ورقة الضغط الإيرانية
إلى جانب التهريب، تلجأ إيران إلى استخدام الورقة الطائفية لزعزعة الاستقرار. منذ ديسمبر 2024، شهدت المناطق الساحلية محاولتين للتمرد شارك فيهما موالون للنظام السابق، في وقت تشير فيه مصادر محلية إلى تورط مباشر لفيلق القدس. كما جرى في مارس الماضي اختطاف شيخ سني بارز في اللاذقية ومحاولة اغتياله، في خطوة اعتُبرت محاولة لتأجيج التوتر الطائفي بين السنة والعلويين.
تحاول إيران أيضاً الحفاظ على نفوذها داخل المجتمع الشيعي السوري، ومنع اندماج هذه الفئات في النظام الجديد. فقد التقى وفد من رجال الدين الشيعة بالرئيس الجديد أحمد الشرع، معلنين دعمه، إلا أن أنشطة رجل الدين محمد الموسكي، المقرب من طهران، تثير قلقًا متزايدًا. الموسكي يدير المجلس الجعفري السوري ويشرف على مؤسسات إعلامية واجتماعية تتلقى تمويلًا إيرانياً لبث خطاب مناهض للحكومة الجديدة.
أهداف استراتيجية مزدوجة
تسعى إيران من خلال هذه السياسة إلى:
1. تأمين مصادر تمويل بديلة من خلال تجارة الكبتاغون، في ظل استمرار العقوبات الدولية.
2. إبقاء سوريا في دائرة الفوضى عبر إثارة التوترات الطائفية، لضمان استمرار نفوذها العسكري والسياسي.
خطر إقليمي متصاعد
تمثل هذه الاستراتيجية تهديدًا مباشرًا ليس فقط لسوريا، بل للأمن الإقليمي بأكمله، مع تدفق المخدرات إلى دول الجوار وتزايد احتمالات الصدامات الطائفية. ويؤكد مراقبون أن مواجهة هذا النفوذ الإيراني تتطلب تحركًا دوليًا منسقًا لكشف شبكات التهريب، وتعزيز قدرات الدولة السورية الجديدة على ضبط الحدود وبناء مؤسسات أمنية مستقلة.