تعيش الساحة السياسية الإيرانية على وقع انقسامات غير مسبوقة داخل أروقة الحكم، بالتزامن مع استئناف المفاوضات النووية غير المباشرة مع الولايات المتحدة في العاصمة العُمانية مسقط، وسط صمت لافت من المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي كان قد وصف سابقًا الحوار مع واشنطن بأنه “غير حكيم وغير شريف”.
ويأتي التحول المفاجئ في الموقف الرسمي بعد إعلان وزير الخارجية عباس عراقجي عن انطلاق المحادثات يوم السبت، في خطوة أثارت صدمة لدى التيار المتشدد. فقد شن جواد لاريجاني، أحد المقربين من مراكز القرار، هجومًا علنيًا على الحكومة قائلاً: “لماذا التفاوض؟ سيستغلون قتل سليماني ليقولوا إنهم أخضعونا”، مؤكدًا أن “القدرة النووية لن تُمس”.
وفي سياق متصل، عبّر أحمد علم الهدى، ممثل خامنئي في مدينة مشهد، عن رفضه التام للمفاوضات، معتبرًا أنها “تناقض العزة الوطنية”، بينما حاول رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي طمأنة المتشددين بالقول إن “إيران تخطت كل الحدود المفروضة نوويًا”.
من جهته، دافع حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة “كيهان” المقربة من المرشد، عن المفاوضات بقوله: “بدون موافقة القائد لما حدثت”، لكنه حذر من تجاوز الخطوط الحمراء، في حين أكد علي شمخاني أن عراقجي يتمتع بـ”صلاحيات كاملة لإبرام اتفاق عادل”.
وامتدت حالة الانقسام إلى منابر صلاة الجمعة، حيث تراوحت الخطب بين التشكيك بالمحادثات والتحذير من “الفتنة الداخلية”، كما في خطبة الملا حبيبالله شباني في همدان، وبين دعوات لطاعة خامنئي وعدم الانجرار وراء خطاب التخوين.
ويرى مراقبون أن ظهور هذه الخلافات في العلن، سواء في الإعلام الرسمي أو على منابر الجمعة، يعكس تراجع هيبة خامنئي في إدارة الملفات الحساسة، لا سيما في ظل الضغوط الاقتصادية الداخلية والغضب الشعبي المتزايد. وبينما يعتبر البعض التفاوض ضرورة ملحّة، ينظر إليه آخرون بوصفه تراجعًا خطيرًا عن الثوابت.
ويُنتظر أن تشكّل نتائج الاجتماع المرتقب يوم السبت نقطة تحوّل في مسار النظام الإيراني، الذي يواجه تحديات غير مسبوقة على أكثر من جبهة، وسط شكوك متزايدة حول قدرته على الحفاظ على تماسكه الداخلي.