مع استمرار محاولات الإدارة السورية الجديدة بسط الأمن والأمان على كامل ربوع سوريا بعد نجاح الثورة الذي أسفر عن سقوط نظام الأسد البائد أواخر العام الماضي، تبرز تحديات أمامها تضاف الى الملف الكردي في الشمال الشرقي من البلاد أهمها القضاء على فلول النظام السابق الذين يعيثون فساداً في مناطق الساحل السوري ويهددون وحدة البلاد وإستقرارها.
فقد أعلنت قوات الأمن السورية أمس، أنها تخوض اشتباكات في غرب البلاد مع مجموعات مسلحة تابعة للضابط السابق سهيل الحسن الذي كان من أبرز قادة الجيش في نظام بشار الأسد. فيما أفاد المرصد السوري لحقوق الانسان بمقتل 16 عنصر على الأقل من قوات الأمن في هجمات نفذها مسلحون موالون للأسد غرب سوريا، على خلفية توتر تشهده المنطقة التي ينتمي إليها الرئيس المخلوع.
وبحسب المراقبين، فإن إستعانة الإدارة السورية الجديدة ببعض الأطراف المنخرطة في الملف السوري أمر لابد منه في هذه المرحلة. حيث تلعب تركيا دوراً هاماً في دعم الإدارة الجديدة على جميع الصعد، وهي التي وقفت دوماً الى جانب الثورة السورية لحين إسقاط النظام. بينما تقوم روسيا بتعزيز علاقاتها مع القيادة السورية الجديدة، متبعةً نهجًا براغماتيًا يعكس رغبتها في الحفاظ على مصالحها الإقليمية.
ووفق الخبير والمحلل السياسي عبدالله المفتي فإن روسيا نظراً لخبرتها في العمل مع النظام السابق ورجالاته، يمكنها أن تمارس دوراً حاسماً في إنهاء العنف على الساحل السوري. ومن المؤكد أن تقوم بحسم المشكلة مع فلول النظام السابق ومساعدة قوات الجيش السوري الجديد لإرساء دعائم الإستقرار والأمن دون وقوع المزيد من الضحايا جراء الإشتباكات. وحالة اليقين هذه تأتي لإمتلاك روسيا قاعدتين عسكريتين مهمتين لها على الساحل السوري وسعيها للحفاظ عليهما وحماية النطاق الأمني المحيط بهما بطبيعة الحال.
كما أشار المفتي الى حالة الخوف التي عمت المناطق الساحلية التي جرت فيها الإشتباكات، وخشية الأقليات القاطنة هناك من حالات الثأر التي تحدث بين الفينة والأخرى، وخلص الى ضرورة التنسيق مع الروس من أجل طمأنة الأهالي بأن الجيش السوري يحمي الجميع، خصوصاً بعد أنباء وردت عن خروج مواطنين في مظاهرات أمام القاعدة الجوية الروسية في حميميم، مطالبين فيها روسيا والجيش الروسي بحمايتهم.
وأكد المفتي أن التقارب الروسي مع سوريا ما بعد الأسد بدا واضحا من خلال الرسائل الإيجابية والزيارات الرسمية، والتي قوبلت بردود فعل إيجابية من جانب دمشق، خاصة من رئيس المرحلة الإنتقالية أحمد الشرع، الذي أكد على أهمية توسيع العلاقات مع الأطراف الدولية والإقليمية لإعادة إعمار البلاد.
يُشار الى أن ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، زار سوريا في يناير/كانون الثاني 2025 على رأس وفد رفيع المستوى، حيث التقى بالرئيس الشرع. وأكد بوغدانوف خلال اللقاء التزام روسيا بتعزيز العلاقات التاريخية مع سوريا، واحترام سيادتها ووحدة أراضيها، ودعم تحقيق الاستقرار والسلم الاجتماعي.
لاحقاً، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محادثة هاتفية مع الرئيس الشرع في 12 فبراير/شباط الماضي، وصفها الكرملين بأنها "بناءة". وتناولت المحادثة مناقشات شاملة حول الوضع في سوريا، مع تأكيد روسيا على دعمها لوحدة سوريا وسيادتها. وأشارت تقارير لصحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن العلاقات بين روسيا والقيادة السورية الجديدة شهدت تطورًا ملحوظًا بعد المكالمة الهاتفية بين الرئيسين، مما يعكس الزخم المتزايد في التعاون بين الطرفين في مرحلة ما بعد الأسد.
وفي ذات السياق، أشار المحلل السياسي الى أهمية العمل مع روسيا لإنعاش الإقتصاد السوري. ففي ظل العقوبات التي لم يرفعها الإتحاد الأوروبي والغرب بشكل عام عن سوريا، ومعاناة المواطنين القاسية من تأخر الرواتب وشح القدرة الشرائية لديهم، فإن الحكومة السورية اتفقت مع روسيا على إعادة توريد شحنات العملة المحلية المطبوعة لديها الى البنك المركزي في العاصمة دمشق.
حيث أفادت وكالة رويترز عن مسؤول محلي، بأن سوريا تسلمت أمس شحنة جديدة من العملة السورية المطبوعة في روسيا مع توقعات بوصول مزيد من هذه الشحنات في المستقبل. في حين تلقت سوريا بعد إتصال الشرع وبوتين بيومين أول شحنة من العملة. وأعلن مصرف سوريا المركزي حينها عن وصول مبلغ 300 مليار ليرة سورية.
يُشار الى أن سوريا في ظل النظام المخلوع كانت بدأت في دفع أموال لروسيا لطباعة عملتها بموجب تعاقد معها بملايين الدولارات خلال الحرب السورية التي استمرت 13 عاما، وذلك بعد فسخ عقد سابق بين دمشق وشركة تابعة للبنك المركزي النمساوي بسبب العقوبات الأوروبية. وقال مسؤول سوري كبير سابق إن شحنات العملة من روسيا كانت تصل إلى دمشق كل شهر بمئات المليارات من الليرة (عشرات الملايين من الدولارات).
من جهة أخرى، شدد المفتي على ضرورة إستغلال الوجود العسكري الروسي في سوريا والعلاقة الودية بين روسيا وتركيا، لتحقيق توازن عسكري وبناء آفاق حل لقضية الوجود الأمريكي في الشمال الشرقي من البلاد المسيطر على حقول وآبار النفط السوري بالاشتراك مع وحدات حماية الشعب الكردية، التي ترفض بدورها العودة الى الكنف السوري وتسليم السلاح.
يُشار الى أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سبق وأن أشاد بمستوى تعاون موسكو وأنقرة بشأن التسوية السورية، خلال زيارته الأخيرة للعاصمة التركية. كما أنه حذر من المخاطر الناجمة عن وجود القوات الأمريكية في سوريا على وحدة أراضي البلاد. وأكد على الاهتمام المتبادل في إضفاء زخم جديد على العمل المشترك لتسوية الوضع السوري في ضوء الحقائق الجديدة.