تحليل: تحديات الاقتصاد السوري مع تسريح الموظفين وخطط الخصخصة

الأربعاء, 12 فبراير - 2025
سوق تجارية في سوريا
سوق تجارية في سوريا

(عن دوتشي فيليه)

تقوم الحكومة السورية المؤقتة بتسريح آلاف الموظفين في القطاع العام الذي تنوي خصخصته، لكن ما تبعات ذلك في ظل اقتصاد مدمر وغياب نظام دعم اجتماعي في بلد يعاني 80 بالمائة من سكانه الفقر؟

من الصعب الحديث عن إعادة عجلة الاقتصاد السوري إلى الدوران دون إطار سياسي يضمن تكافؤ الفرص بين السوريين

في غضون شهرين على توليها السلطة بعد سقوط نظام الأسد قامت الحكومة المؤقتة في سوريا بتسريح آلاف العاملين في مؤسسات الدولة والقطاع العام وعلى رأسها مؤسسات خدمية عامة في قطاعات كالكهرباء والصحة والتجارة. كما تم إرسال الآلاف إلى بيوتهم على أساس أنهم "موظفون وهميون" يتقاضون أجورهم بدون عمل ولا حاجة لهم في المؤسسات

التي يعملون بها. ولا يوجد معطيات دقيقة عن عدد الذين تم تسريحهم حتى الآن وتقدر 300 إلى 400 الف شخص يمكن الاستغناء عنهم من ضمن 1.3 مليون موظف في قطاعات الدولة. ويُطلق مسؤولون حكوميون جدد على هؤلاء تسمية "الموظفون الأشباح" الذين كانوا يتقاضون رواتب مقابل عمل قليل أو لا يقومون بأي عمل.

تفاقم الوضع المعيشي

غير أن المشكلة لا تكمن في التسريح وحسب، بل في عدم صرف رواتب عشرات الآلاف من العاملين والمتقاعدين بمن فيهم عناصر الجيش السابق. ويتفاقم الوضع المعيشي لهؤلاء وعائلاتهم في ظل عدم وجود نظام إعانة اجتماعية أو تعويض بطالة.

تحسن سعر العملة السورية

بعد توليها السلطة برئاسة أحمد الشرع أعلنت الحكومة المؤقتة على لسان وزير الخارجية اسعد الشيباني أنها ستقوم بإصلاحات اقتصادية جذرية على أساس اعتماد نظام الاقتصاد الحر الذي يقوم على المنافسة وجذب الاستثمارات. وعلى ضوء ذلك قامت بخطوات لعل من أبرزها رفع الدعم الحكومي عن مصادر الطاقة والسلع الأخرى باستثناء الخبز. كما خفضت العرفة الجمركية بنسبة وصلت إلى 60 بالمائة وسمحت بتداول الدولار والعملات الأخرى إلى جانب الليرة السورية. وساهمت التوجهات الجديدة في تحسين سعر صرف العملة السورية إلى ما دون 10 آلاف ليرة مقابل الدولار بعدما كانت قيمة الأخير بحدود 15 ألف ليرة وأحيانا أعلى من ذلك بكثير قبيل سقوط النظام السابق

استمرار ركود الاقتصاد

غير أن خطوات الإصلاح التي تم اتخاذها لم تؤد حتى الآن إلى تحسن اقتصادي ملموس. فحركة البيع والشراء في السوق ضعيفة أو حتى راكدة، لاسيما وأن البنك المركزي يستمر بتقليص المعروض النقدي وأن رواتب آلاف الموظفين لم يتم صرفها إلا أن بعض الخدمات الأساسية أصبحت أسوأ مما كان عليه الوضع قبل تولي الحكومة الجديدة

 مهامها. فالكهرباء على سبيل المثال أضحت تأتي 20 دقيقة كل 4 إلى 6 ساعات بدلا من ساعة كل خمس ساعات سابقا وسط نقص كبير في الفيول والغاز لتوليد التيار الكهربائي. وهناك حديث عن قرب استنزاف الاحتياطي من الطحين اللازم لتوفير الخبز بسبب توقف روسيا عن تزويد البلاد بشحنات القمح. وحسب أكثر من خبير فإن الكثير من المنتجات الوطنية الزراعية والصناعية مهددة بالاختفاء في حال استمر تدفق البضائع التركية والأردنية والأجنبية الأخرى الرخيصة عبر الحدود لاسيما بعد تخفيض الرسوم الجمركية. ويتم هذا في وقت تعاني فيه المصانع والزراعة السورية من ارتفاع أسعار الطاقة ومدخلات الإنتاج المستوردة لأسباب عديدة من أبرزها استمرار العقوبات الغربية ومنع التحويلات المالية عبر البنوك السورية.

القطاع العام وحضوره المهيمن

 مؤسسات القطاع العام أو الشركات التي تملكها الدولة حسب وزير الاقتصاد باسل عبد الحنان. يزيد عدد هذه الشركات التي هي جميعها من الحجم الكبير على 100 شركة تنشط في مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية الإسمنت والصلب والنفط والفوسفات والبناء والنفط والغاز وتكرير النفط وتوزيع المحروقات والإنتاج الزراعي والأدوية وغيرها. وحتى عام 2011، كان القطاع العام في سوريا يشكل العمود الفقري للاقتصاد السوري، إذ كان يشكل أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. غير أن الحرب دمرت الكثير من منشآته وعطلت عمل الكثير منها بسبب تقادمها وعدم توفير فرصة لتحديثها وتوفير القطع اللازمة لصيانتها.

الفساد في مؤسسات القطاع العام

كما أن مؤسسات القطاع العام في سوريا تعاني من فساد قل نظيره في جهازها الإداري والتنظيمي. وتعاني معظم مؤسساته من تضخم عدد العاملين فيها على حساب التطوير والجدوى الاقتصادية. وحسب وزير المالية السوري محمد أبا زيد فإن بعض الشركات المملوكة للدولة " يبدو وكأنها كانت موجودة فقط لسرقة الموارد وسيتم إغلاقها" كما حصل مؤخرا مع المؤسسة السورية للتجارة. على ضوء هذا الواقع الصعب ترى صحيفة واشنطن بوست أن كيفية التعامل مع هذا الوضع

 تشكل أكبر التحديات التي تواجه الشرع وحكومته المؤقتة. ومن هنا يطرح السؤال التالي نفسه: كيف يمكن خصخصة قطاع عام يعاني من كل هذه المشاكل دون تبعات اقتصادية واجتماعية لا تحمد عقباها؟ الجدير ذكره أن تعزيز حضور هذا القطاع في الاقتصاد السوري وتعزيز سطوته عليه تعود إلى أوائل ستينات القرن الماضي أيام الوحدة السورية المصرية بقيادة عبد الناصر. وعندما استوى حزب البعث على السلطة في عام 1963 قام بمزيد من التأميم والمصادرات للملكية الخاصة في إطار ما سمي يومها "التوجه الاشتراكي". أما في عهد الأسد الأب والأبن فقد تضخمت مؤسساته وطغى على إدارتها الفساد والمحسوبيات والهدر وسرقة المال العام.

الإطار السياسي ومقومات الخصخصة

تشير تجارب الكثير من الدول وخاصة في أوروبا الشرقية إلى أن القيام بخصخصة ناجحة لقطاع عام بمثل هذه الحجم تتطلب شروطا من الصعب توفيرها خلال أشهر قليلة. ومن هذه المتطلبات على سبيل المثال لا الحصر توفر بنية تحتية حديثة ومصادر طاقة بأسعار غير جنونية. ولا يقل أهمية عن ذلك توفير المناخ الآمن للاستثمار والمستثمرين بالتوازي مع إرساء أساس نظم سياسيتعددي يضمن الحريات وتشكيل الأحزاب السياسية التي تمثل التنوع الثقافي والعرقي للمواطنين بغض النظر عن الانتماء الديني والعرقي، وأن تكون على رأس هذا النظام حكومة منتخبة تحظى بتمثيل الأغلبية السياسية. وبالنسبة إلى سوريا لم يحدث الكثير على صعيد توضيح الرؤية السياسية لمستقبل البلاد حتى الآن. وهو أمر يثير قلق الشارع السوري والغرب. ويربط مسؤولون أوروبيون وأمريكيون رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا بشكل كامل بحصول تقدم في العملية السياسية نحو نظام تعددي وديمقراطي. ومما لاشك فيه أنه بدون الرفع الكامل لهذه العقوبات من الصعب الحديث عن إعادة عجلة الاقتصاد والإعمار. ومن الأدلة على ذلك عزوف التجار مؤخرا عن التقدم بعروض لتوريد النفط إلى السوق السورية رغم تخفيف بعض العقوبات الغربية عن هذا القطاع.

مما لا شك فيه أن الاقتصاد السوري يحتاج إلى إصلاحات جذرية تشمل تسريح فائض العمالة فيه وخصخصة مؤسسات القطاع العام باستثناء الاستراتيجية منها كالمرافئ والمياه والمطارات على سبيل المثال. غير أن تسريح العاملين ينبغي أن لا يتم دون إيجاد مصادر دخل بديلة أو إعانات اجتماعية لعائلاتهم. وبالنسبة إلى خصخصة القطاع العام في سوريا فإنها مسؤولية كبيرةتتطلب إطارا سياسيا يضمن نجاحها واعتماد معايير تضمن استمرار مؤسساته وتحسين جودة منتجاتها وضمان وظائف غالبية العاملين لديها. وفيما عدا ذلك سيكون هناك عدم استقرار اجتماعي في ظل عدم توفر نظام دعم اجتماعي وتعويض بطالة يقي الناس المزيد من العوز والحرمان والجوع.

الاستفادة من تجارب الخصخصة حول العالم

وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أنه يمكن تعلم الكثير من تجارب خصخصة مؤسسات القطاع العام في بعض الدول. ففي ألمانيا الشرقية على سبيل المثال حصلت ثغرات كثيرة في عقود البيع أدت في النهاية إلى إغلاق القسم الأكبر من هذه المؤسسات بدلا من تطويرها واستمرار تشغيلها والاحتفاظ بالقسم الأكبر من العاملين لديها. وفي بريطانيا تدهورت نوعية خدمات قطاع المياه والسكك الحديدية بعد خصخصتها أيام رئيسة الوزراء الراحلة مارغريت تاتشر. أما في نيوزيلندا فقد انقطعت الكهرباء عن العاصمة ويلنغتون عدة أيام بعد تولي إحدى الشركات الخاصة أمرها بموجب عقد خصخصة لم يتم التشديد من خلاله على أهمية إجراء الصيانة الدورية والتطوير اللازمة لمواكبة الطلب المتزايد