في تقرير لوكالة رويتر تقول: عانى مصرف لبنان المركزي من عجز قدره 4.7 مليار دولار في احتياطياته بنهاية العام 2015 ولم يسبق الكشف عنه فيما كان يمثل علامة تحذيرية من الانهيار المالي الذي محا تقريبا مدخرات الكثيرين..
وجاء في التقرير السري أنه رغم أن إجمالي احتياطيات مصرف لبنان كان مرتفعا إذ بلغ 36.5 مليار دولار "صافي الاحتياطيات، بعد احتساب مطالبات المصارف التجارية من المصرف المركزي، والذهب كان سالب 4.7 مليار دولار أمريكي في ديسمبر (كانون الأول) 2015".
ويتولى رياض سلامة منصب حاكم مصرف لبنان المركزي منذ 1993. وفي أواخر العام 2016 بدأ المصرف تنفيذ ما وصفه بعبارة "الهندسة المالية" وذلك بتمويل العجز المالي المتضخم والحفاظ على أداء البنوك بدفع أسعار فائدة متصاعدة على
وظلت خسائر البنك المركزي تتضاعف بمرور الوقت حتى تبددت ثقة المستثمرين وسط احتجاجات شعبية على النخبة الحاكمة في 2019.
وقالت ثلاثة مصادر مطلعة إن سلامة أصر بنفسه في حديثه مع مسؤولي صندوق النقد على عدم نشر الرقم لأنه كان سيتسبب في زعزعة استقرار السوق المالية.
وسئل متحدث باسم البنك المركزي عن سبب عدم نشر العجز في صافي الاحتياطيات في تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في يناير كانون الثاني 2017 فقال متحدثا بالنيابة عن سلامة إن "المصرف المركزي لا يملك سلطة تغيير تقارير صندوق النقد الدولي" وامتنع عن التعليق على هذه النقطة.
وقال المتحدث إن "تحريف أسباب الأزمة للتركيز على مصرف لبنان تصرف غير مهني ويستخدم لإلقاء المسؤولية على مؤسسة واحدة هي المؤسسة المدنية الوحيدة التي لا تزال تبقي على النظام (المالي) رغم الأزمة الحادة".
وسألت رويترز متحدثا باسم صندوق النقد الدولي عن سبب غياب الرقم في التقارير المنشورة وعما إذا كان من الواجب أن يقوم الصندوق بدور أكثر استباقية في المطالبة بإصلاح الوضع لكنه امتنع عن تناول مسألة حذف العجز البالغ 4.7 مليار دولار.
وقال إن التقرير "طرح تحذيرا مبكرا وحلولا ممكنة لتقوية النظام المالي".
وأضاف المتحدث أن الصندوق "شدد على ضرورة تقليص المخاطر الاقتصادية والمالية ومنها الاعتماد على تدفقات الودائع الجديدة لتغطية العجز المالي والخارجي الكبير".
وقال إن الصندوق "أشار أيضا إلى أن موارد كبيرة مطلوبة لضمان الحفاظ على ملاءة رؤوس أموال البنوك في حالة حدوث صدمة حادة".
وعندما نضبت تدفقات النقد الأجنبي في 2019 منعت البنوك، التي يساهم في عدد كبير منها ساسة بارزون، أصحاب الودائع من سحب أموالهم. وفرضت قيودا على عمليات السحب من الحسابات واقتصر أغلبها على الليرة اللبنانية التي فقدت 90 في المئة من قيمتها.
التحقيق المالي في حسابات مصرف لبنان
بحلول العام 2020 تضخم عجز المصرف المركزي إلى 50 مليار دولار وبلغ إجمالي خسائر البنك 83 مليار دولار وفقا لما ورد في خطة إنقاذ أعدتها وزارة المالية في أبريل نيسان من ذلك العام. ويشكك البنك المركزي وجمعية مصارف لبنان في صحة هذه الأرقام غير أنهما لم يعلنا أرقاما بديلة.
ويعد التحقيق المالي الجنائي في حسابات البنك المركزي شرطا لحصول لبنان على صفقة إنقاذ هو في حاجة ماسة إليها من صندوق النقد الدولي. وقد استؤنف التحقيق هذا الأسبوع بعد توقف استمر قرابة العام بسبب خلافات على الاطلاع على المعلومات.
ولا يشترط أن تعلن الدول صافي احتياطياتها غير أن دولا كثيرة تفعل ذلك. وقال مسؤولان كبيران سابقان إن الإفصاح عن مواطن الضعف المالي في بدايات الأزمة كان من الممكن أن يجنب البلاد تراكم الديون الذي جعل الانهيار المالي بهذه الفداحة.
وقد دفعت الأزمة بحوالي 74 في المئة من سكان البلاد إلى صفوف الفقراء وفقا لما قالته الأمم المتحدة. ووصف البنك الدولي الأزمة بأنها من أسوأ حالات الركود في التاريخ الحديث.
وقال البنك الدولي في أبريل نيسان إن "الوطأة الاجتماعية، التي كانت شديدة بالفعل، يمكن أن تصبح كارثية". فحتى خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، ظلت البنوك تعمل وهي قادرة على الوفاء بالتزاماتها.
وقال هنري شاوول أحد مفاوضي الحكومة اللبنانية مع صندوق النقد ومستشار وزير المالية حتى يونيو حزيران 2020 لرويترز "غياب الإفصاح هذا دفع بنا إلى حيث نحن لأن المودعين كانوا سيأخذون قرارات مختلفة لو علموا بهشاشة البنوك وانكشافها".
وقد استقال شاوول بعد أن شككت البنوك التجارية والمصرف المركزي والنخبة الحاكمة في حجم الخسائر التي تكبدها النظام المالي وكيفية توزيعها مما أدى إلى نسف خطة إنقاذ حكومية والمحادثات مع صندوق النقد الدولي
وردد توفيق كسبار الاقتصادي، الذي كان مستشارا لصندوق النقد الدولي ووزير مالية سابقا، آراء مماثلة لما أبداه شاوول.
وقال كسبار إنه لو أتيحت المعلومات الواردة في تقرير 2016 لعامة الناس لكانت وطأة الأزمة أقل ضررا بكثير على المودعين. وأضاف أنه كان سيتعين تطبيق سياسات من شأنها وقف الخسائر التي وصفها بالنزيف.
أما نسيب غبريل كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس فقال إن المصرف المركزي حاول الحفاظ على الثقة في السوق وكان في الوقت نفسه ينتظر أن تنفذ السلطات إصلاحات، مشيرا إلى أن الانهيار يرجع إلى الهدر والفساد على مدى سنوات.
وهو يرى أن نشر رقم العجز 4.7 مليار دولار "لم يكن ليغير مسار الأحداث لأن وكالات التصنيف الائتماني والمؤسسات المالية الدولية نبهت السلطات مرات عديدة إلى ضرورة تطبيق الإصلاحات".
كسب الوقت
قال سلامة مرارا إنه يعمل على كسب الوقت فقط حتى يتفق ساسة لبنان على الإصلاحات لخفض العجز في الموازنة العامة وإنه ليس مسؤولا عن إخفاقهم في ذلك.
وردا على سؤال عما إذا كان من واجب صندوق النقد أن يقوم بدور استباقي في الضغط من أجل نشر رقم العجز في صافي الاحتياطيات، قال المتحدث باسمه إن على رويترز الرجوع إلى قواعد الشفافية الخاصة بالصندوق.
وتنص هذه القواعد على أنه يجوز لدولة ما أن تطلب حذف مواد غير منشورة من تقرير ما إذا كانت "المادة شديدة الحساسية للأسواق وهي في الأساس وجهات نطر الصندوق في التوقعات الخاصة بأسعار الصرف الأجنبي وأسعار الفائدة والقطاع المالي وتقييمات السيولة والملاءة السيادية".
وامتنع المتحدث باسم الصندوق عن قول ما إذا كان لبنان قد تقدم على وجه التحديد بهذا الطلب ولم يتطرق إلى ما إذا كان هناك حد رسمي لحجم صافي الاحتياطيات.
وفي وقت سابق من العام الحالي بدأت السلطات السويسرية تحقيقا في "عمليات غسل أموال مستفحلة فيما يتصل باختلاس محتمل ألحق الضرر بمصرف لبنان". وقد نفى سلامة ارتكاب أي مخالفات وقال إن التحقيق جزء من حملة تستهدفه.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري كانت صحيفة لو تمب السويسرية أول من نشر أن البنك المركزي حجب معلومات مهمة عن عامة الناس في 2015.
وقال البنك المركزي إن هذا التقرير "لا صلة له بالحقيقة".