نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا خاصا عن العالم العربي تناولت فيه عددا من القضايا مثل قضية فلسطين التي لم تعد تجمع الدول العربية واهتمام الأنظمة بالقضايا المحلية، وفشل الإسلام السياسي والديكتاتورية في مصر، وفشل الجامعة العربية التي لم تقدم أي شيء لأعضائها طوال أكثر من 70 عاما على إنشائها، ورقصة النصر الفارغة لإيران في تنافسها مع السعودية، وأزمة الهوية التي يعاني منها العالم العربي. وهي المحور الأول في التقرير. وقالت فيه إن المنطقة تعاني من نزاعات وانهيار.
وتقول الصحيفة وكانت الجامعة بمثابة لفتة إلى موجة القومية العربية في منتصف القرن التاسع عشر ودور مصر فيها. وبعد 75 عاما على إنشائها لم تحقق المتوقع منها. فقد تراجعت موجة القومية العربية وكذا مكانة مصر في المنطقة، فالسير إلى جانب المبنى ومنه إلى الميدان الخالي يدعوك للتساؤل: حتى عندما تكون الهويات الوطنية في الشرق الأوسط محل شك، فما هو العالم العربي إذا؟. التظاهرات كشفت عن عروبة جوفاء. فلم تلعب الجامعة العربية أي دور سوى تحولها لنكتة على منصات التواصل الإجتماعي، فالقومية العربية التي طالما ارتبطت بالأنظمة الديكتاتورية والسياسات الاشتراكية الفاشلة فقدت مصداقيتها، وثبت أنها أيديولوجية لا توحد
وتؤكد الصحيفة على النظام الإقليمي الذي ظهر خلال العقد الماضي وركز على ثلاثة ملامح. الأول، هو ضعف الدول العربية، فالدول القوية في الشرق الأوسط هي غير عربية. الثاني، هو هشاشة الدول العربية الداخلية، بمواطنين شباب واقتصاديات غير منتجة التي تعتبر تهديدات وجودية تواجه دائما بالقمع. وبعيدا عن دول الخليج، فالعالم العربي هو مجموعة من الدولة الفاشلة أو تلك التي في طريقها للفشل. وإلى جانب أزمات الشرعية والحكم هناك ازمة ثالثة: وهي أزمة الهوية، فبدون أيديولوجية أو مؤسسات تربط المنطقة ببعضها البعض بدأت بعض الدول برفع شعارات وطنية ضيقة، فلو سألت أي شاب عربي عما يعني ان يكون عربيا، فإنه يجد صعوبة في الجواب. وقال صحافي لبناني مازحا “الوقوف في طوابير الوقود” و”الرغبة بالهجرة”، حسب رجل أعمال مصري و”هي الحنين لوطن” كما قال أكاديمي بحريني. وبعد قرنين على حلم المثقفين العرب ببناء منطقة عربية مزدهرة وذات سيادة وموحدة، فما يجمع الشعوب العربية من مراكش إلى مسقط هو حس التعاسة.
فسنوات من الحرب الأهلية في اليمن وسوريا وليبيا خلفت دولا لا يمكن التعرف عليها كدول ذات سيادة. أما الحكومة العراقية التي ولدتها القابلة الامريكية بعد غزو 2003 فقد وقفت تتفرج على نهب الميليشيات المدعومة من إيران خزينة الدولة وتقتل النقاد.
ويعاني لبنان من كساد يعتبر الأسوأ في التاريخ. ومع أن نسبة السكان العرب بالنسبة لسكان العالم لا تتجاوز 5% إلا أن نسبة 50% من اللاجئين في العالم منه ونسبة 25% من النازحين في أوطانهم فيه. وتعاني معظم الدول العربية من فقر مدقع وبطالة وخدمات أساسية مريعة. وآطاح المصريون بديكتاتور ليرحبوا بآخر. وبنى التونسيون أول ديمقراطية حقيقية في العالم العربي ولكنها مهددة اليوم. وأصبحت نسبة البطالة في البلدين عام 2020 أعلى مما كانت عليه 2010 وبمعدلات عالية من الفقر وديون بالنسبة للناتج المحلي العام. بل وباتت دول الخليج التي كانت واحة للاستقرار تتذمر من نهاية نموذج اقتصاد الرعاية. وطمحت القومية العربية في القرن العشرين بأن تبني عالما عربيا لا تفرقه الحدود. ولكن العالم العربي اليوم مكون من 22 دولة يبلغ تعداد سكانها 400 مليون وهناك أعداد أخرى موزعة على الشتات. ولم يكن الانقسام العربي محتوما، حيث تتحمل القوى الأجنبية بعض اللوم. ودعمت أمريكا والاتحاد السوفييتي الأنظمة العربية السيئة خلال الحرب الباردة. واتسمت السياسة الأمريكية منذ 2003 بعدم التناسق وظل على الأغلب رهيبة، وهناك خط مستقيم يربط احتلال العراق بصعود تنظيم “الدولة”. وبالنسبة للحكام العرب فالحديث عن الوحدة هو ذريعة لتدخل الدول الكبرى في شؤون الدول الأصغر. وترك الفساد والعقم حتى الدول الغنية في حالة من الانحطاط. وفشل المستبدون بالاستثمار في التعليم وأثاروا الخلافات الداخلية، بشكل يحبط أي محاولة لإنشاء ديمقراطية. وما نشاهد اليوم هو نوع ثان من القومية، فالجامعة العربية لا تزال قائمة لكنها لم تبن علاقات تجارة وسفر تعمل على دمج المنطقة. وبدلا من الدعوى للوحدة الإقليمية فالجيل الجديد من الديكتاتوريين أو الذين نجوا من الربيع العربي يكافحون للحفاظ على الهوية الوطنية.