سوريا تطلق "الليرة الجديدة" بحذف صفرين في خطوة تنظيمية لتسهيل التداول

بثينة الخليل
الاثنين, 29 ديسمبر - 2025

أطلق مصرف سورية المركزي، اليوم الاثنين، العملة السورية الجديدة تحت مسمى "الليرة الجديدة"، بعد حذف صفرين من العملة المتداولة، في خطوة قال إنها تهدف إلى تسهيل التعاملات اليومية وترسيخ ما وصفه بـ"السيادة النقدية الثانية"، دون أن يترتب عليها أي تغيير في القيمة الحقيقية للعملة أو في معدلات التضخم.


وجرى الإعلان عن العملة الجديدة خلال حفل رسمي أُقيم في قصر المؤتمرات بدمشق، بحضور رئيس الجمهورية أحمد الشرع، الذي اعتبر أن "تبديل العملة يشكّل عنواناً لأفول مرحلة سابقة غير مأسوف عليها، وبداية مرحلة جديدة يطمح لها السوريون"، مؤكداً أن حذف الأصفار إجراء تنظيمي لا يعني تحسناً فورياً في الاقتصاد أو في سعر الصرف.


وأوضح الشرع أن الفئات النقدية الكبيرة في العملة القديمة كانت تُعقّد عمليات البيع والشراء، إذ كانت أعلى فئة نقدية تعادل أقل من نصف دولار، ما فرض أعباءً على التعاملات اليومية، مشيراً إلى أن "500 ليرة جديدة تعادل 50 ألف ليرة قديمة، وهو ما يوفّر سهولة ووضوحاً في التداول". وشدد على أن تحسين الاقتصاد "يرتبط بزيادة الإنتاج، وخفض معدلات البطالة، وإصلاح القطاع المصرفي بوصفه شريان الاقتصاد".


من جانبه، أعلن حاكم مصرف سورية المركزي عبد القادر الحصرية أن "كل 100 ليرة سورية قديمة تساوي ليرة سورية جديدة واحدة"، مؤكداً أن القيمة الفعلية للعملة لن تتأثر. وأوضح أن جميع أرصدة المصارف المحلية ستُحوَّل تلقائياً إلى الليرة الجديدة اعتباراً من مطلع العام الجديد، مشيراً إلى أن فترة استبدال العملة ستستمر 90 يوماً قابلة للتجديد، وستكون مجانية بالكامل، مع حظر فرض أي عمولات أو رسوم أو ضرائب تحت أي مسمى.


وأضاف الحصرية أن العملتين القديمة والجديدة ستتعايشان جنباً إلى جنب لمدة عام كامل، بهدف إتاحة الوقت أمام المؤسسات والشركات لتحديث أنظمتها المحاسبية والمالية، ومنح المواطنين فرصة كافية للتأقلم مع الفئات الجديدة، لافتاً إلى أن المصرف المركزي سيصدر نشرات رسمية لأسعار الصرف بالعملتين لضمان وضوح التعاملات ومنع أي تلاعب أو مضاربة.


وتتميز الأوراق النقدية الجديدة بابتعادها الكامل عن صور الأشخاص والرموز السياسية والآثار والمباني، والتركيز بدلاً من ذلك على رموز الطبيعة والبيئة السورية، مثل الوردة الشامية، والقمح، والزيتون، والقطن، والبرتقال، إلى جانب عناصر من الحياة البرية كالغزال، والفراشة، والعصفور، والحصان العربي، في خطوة تهدف إلى تجنب أي دلالات سياسية أو تمييز جغرافي أو مناطقي.


وتشمل فئات العملة الجديدة 10 و25 و50 و100 و200 و500 ليرة، صُممت لتعكس التنوع البيئي والهوية الطبيعية السورية.


وتعود الليرة السورية إلى عام 1919، واعتمدت رسمياً كعملة وطنية عام 1947 عقب الاستقلال عن فرنسا. وعلى مدى عقود، حافظت الليرة على استقرار نسبي، لا سيما بين خمسينيات القرن الماضي وعام 2011، حيث استقر سعر الصرف عند حدود 50 ليرة مقابل الدولار لسنوات طويلة.


غير أن هذا الاستقرار تراجع مع اندلاع الثورة السورية عام 2011 وما تبعها من صراع طويل الأمد، أدى إلى تدمير واسع في البنية التحتية وتراجع الإنتاج الزراعي والصناعي، إضافة إلى خسارة عائدات النفط والسياحة وفرض عقوبات دولية طالت القطاعين المالي والمصرفي.


ومع شح العملات الأجنبية وتراجع الاحتياطي النقدي، شهدت السياسة النقدية في البلاد توسعاً في الإصدار النقدي خلال السنوات الماضية، ما ترافق مع ارتفاع معدلات التضخم وتراجع ملحوظ في القوة الشرائية لليرة السورية. وبات سعر الصرف يدور حالياً حول 11 ألف ليرة مقابل الدولار، مقارنة بنحو 50 ليرة قبل عام 2011، فيما فقدت الليرة أكثر من 99% من قيمتها، وارتفع حجم النقد المصدر إلى نحو 42 تريليون ليرة، بعد أن كان في حدود تريليون ليرة عام 2011.


وأكد مصرف سورية المركزي أن إصدار العملة الجديدة يندرج ضمن سياسات إصلاحية أوسع، تشمل استقرار الأسعار، وتطوير القطاع المصرفي، وتعزيز المدفوعات الرقمية، مشدداً على أن تغيير شكل العملة "إجراء تقني وتنظيمي"، وليس بديلاً عن الإصلاح الاقتصادي الحقيقي القائم على زيادة الإنتاج وتحقيق النمو المستدام.