الليرة السورية .. والسطو على أموال ومدخرات السوريين

السوريون في السوق
السوريون في السوق

لا يزال الكثير من المحللين الاقتصاديين، ينظرون إلى انخفاض سعر صرف الليرة السورية إلى أكثر من 3300 ليرة مقابل الدولار، على أن الأسوأ لم يحدث بعد، وإنما ينتظر الليرة انخفاضات مرعبة في قيمتها، نظرا لحجم التخبط من قبل مسؤولي النظام في إدارة ملف العملة، وبالذات في أعقاب القانون الذي أصدره بشار الأسد منتصف العام الماضي، والذي يجرم فيه كل من يتعامل بغير الليرة السورية، أو ينشر أخبارا عن أسعار الصرف، أو غيرها من المعلومات التي من شأنها أن توهن من عزيمة الليرة .. ما يعني بأن الملف أصبح بيد أجهزة المخابرات.

ما حدث بعد هذا القانون، أن الجهاز الاقتصادي في الحكومة تراجع عن العمل على قضية الليرة، بما في ذلك المصرف المركزي، الذي بالكاد تقع له، خلال الأشهر الماضية، على قرارات أو توجيهات متعلقة بسعر الصرف، ثم أصبحنا نقرأ العديد من الأخبار عن قيام الأجهزة الأمنية، بإلقاء القبض على متعاملين بغير الليرة، وهو الأمر الذي أرعب السوريين، لكنه في المقابل أوجد سوقا موازية شديدة الحرص والتماسك، استطاعت أن تمرر حوالات السوريين في الخارج بالسعر الحقيقي لليرة، وليس وفقا لأسعار المركزي، التي تعادل أقل من النصف.  

هذا الأمر، كشف لنا نوايا النظام، والذي كان على ما يبدو يهدف إلى مصادرة ما بحوزة السوريين من عملات صعبة، وضخها في موازنته وتمويل مستورداته الخارجية، إلا أنه عندما فشل قام بإصدار قرارات لاحقة، كتلك المتعلقة بإجبار السوريين في الخارج على تصريف مبلغ 100 دولار بالسعر الرسمي، البالغ 1250 ليرة، لدى عودتهم إلى بلدهم، أو من خلال إعادة تفعيل ملف دفع البدل عن الخدمة الإلزامية، بعدما وجد رغبة من السوريين، بالتخلص من الجيش بأي ثمن .. إلا أن كل هذه الحركات، وبحسب متابعين، لا يمكن أن تمول إلا جزءا يسيرا من حاجة النظام من العملة الصعبة، حيث أن البيانات تشير إلى أن قيمة المستوردات المعلنة، تقدر بنحو 4 مليار دولار سنويا، فيما أن المبالغ التي يمكن جمعها من خلال هذه العملية بالكاد تصل إلى 100 مليون يورو سنويا.  

بناء على ذلك، نجد أن النظام استنزف كل فرص الحصول على العملة الصعبة من جيوب السوريين .. وحتى عندما أعلن بأنه ينوي الحجز على أموال المتهربين من الخدمة الإلزامية، ممن تجاوز سن 42 عاما، وأموال ذويهم وأقاربهم، إنما كانت هذه إحدى شهقات الموت الأخيرة، والتي كان يأمل منها، أن يتدافع السوريون لدفع البدل النقدي البالغ 8 آلاف دولار، بأي ثمن .. لكن ما حدث، ووفقا لمعلومات حصلنا عليها من مصادر إعلامية داخل النظام، أن هذه الحركة لاقت استهجان أشد المقربين من النظام، كونها تخالف الدستور وكل القوانين الوضعية والأخلاقية، ناهيك عن أن هؤلاء لهم أقارب وأبناء في الخارج، ما يعني بأن الحجز على أموالهم سوف يطالهم، فيما لو تم تطبيق الأمر.  

نهاية القول، يعيش النظام ظروفا نقدية صعبة، ليس بسبب الحصار كما يدعي، وإنما بسبب انقطاع المصادر التي كان يحصل من خلالها على الدولار، وعلى رأسها تجارة النفط والفوسفات والقطن وغيرها من المواد، والتي كانت تؤمن لخزينة الدولة سنويا ما لا يقل عن 10 مليار دولار، أما اليوم فكل هذا لم يعد موجودا، وأقصى ما يملكه النظام، لتعويض هذا النقص، هو التشبيح على السوريين والسطو على أموالهم، كونه لا يزال يتعامل معهم وكأنهم أسرى ورهائن في سجنه الكبير المسمى سوريا.