بعد قرار عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية… قراءة في كلمتي الأسد ورئيسي

الجامعة العربية
الجامعة العربية

(عن القدس العربي)

بعد قرار الجامعة العربية بعودة النظام السوري لاحتلال مقعد سوريا في الجامعة وجميع مؤسساتها، نقوم بقراءة في كلمتي بشار الأسد والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بعد زيارته لسوريا لإجراء مباحثات تمحورت حول ترسيخ التحالف الاستراتيجي بين النظامين، وإعادة الإعمار بشكل خاص.

وقد ألقى رئيس النظام بشار الأسد كلمة بهذه المناسبة، ورد رئيسي بكلمة أخرى تعكسان عقلية كل منهما، وتشيران إلى أن الطرفين متمسكان بعلاقتهما بل وتمتينها أكثر.

في قراءة تحليلية للكلمتين واستخدامهما لكلمات معينة مختارة بعناية يمكننا رصد المغزى منها والرسائل التي يريد كل طرف توجيهها للآخرين، والتي لا تتناسب كثيرا مع تمنيات وتطلعات الأنظمة العربية التي أعادت النظام إلى الجامعة العربية.

في علوم الإعلام وتحليل المحتوى النصي، تقول “إن لكل كلمة دلالتها” فاستخدام كلمات معينة لا يأتي مصادفة، أو بطريقة اعتباطية، وفي السياسة، ونصوص الخطابات السياسية فإن كل كلمة تكون محسوبة ومنتقاة بدقة.

اللافتة الترحيبية

في هذا المقال اخترنا بعض المقاطع بعناية للإشارة إلى ما كانت ترمي بدقة، وما الهدف منها. نبدأ أولا بلافتة ترحيبية بالرئيس الإيراني كتب عليها:”23 مليون سوري يرحبون بقدومكم” هذا التضخيم المتعمد يشير إلى أن بشار الأسد مازال يعتقد، أو يريد أن يظهر أنه لا يزال رئيسا لكل السوريين. في حين أن مركز جسور للدراسات أشار في دراسة نشرها مؤخرا يؤكد أن عدد السوريين وصل إلى حوالي 26 مليون نسمة منهم 16 مليونا في سوريا و 9 ملايين خارجها، وحوالي مليون مفقود، وتتوزع أعداد السوريين داخل سوريا إلى حوالي 4.3 مليون في مناطق المعارضة، و2.6 مليون في مناطق قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

ولا يتبقى تحت سيطرة النظام سوى حوالي 9 ملايين نسمة معظمهم ضد النظام، وضد إيران لكن لا يتجرأ أحدهم أن يفتح فمه حتى عند طبيب الأسنان.

في كلمة استقبال الرئيس الإيراني قال بشار الأسد: “أنتم تعرفون تماماً العلاقات العريقة بين بلدينا والتي تأسست منذ أكثر من أربعة عقود. هذه العلاقات غنيّة بالمضمون، غنيّة بالتجارب، وغنيّة بالرؤية التي كوّنتها.. أثبتت هذه الرؤية المشتركة أنها مستندة إلى أسس صحيحة وثابتة، مستندة إلى قيم، مستندة إلى مبادئ، مستندة إلى عقائد، ومستندة وهو الأهم إلى مصالح الشعوب وإلى سيادتها واستقلالها.” إن الإشارة إلى بدء هذه العلاقة تعني أنها بدأت مع سقوط حكم الشاه، ونشأة دولة ولاية الفقيه، وأن هذه العلاقة كانت ضمن رؤية مشتركة مستندة إلى “قيم ومبادئ وعقائد ومصالح الشعوب”.. أي بمعني آخر أن البعد الديني (الطائفي) كعقيدة كان في الحسبان رغم أن النظام السوري يقدم دائما نفسه كنظام “ديمقراطي علماني” وسابقا “اشتراكي” ولا ينتمي لعقيدة ما معينة، لكن لم يعد يخفى على أحد أن نظام العائلة الأسدية هو نظام الطائفة العلوية الأقرب إلى الشيعة منها إلى السنة، وتسعى دائما إلى سحق الأكثرية السنية، وتفضل الانتماء عقائديا لإيران. وأن هذه العلاقة “مستندة لمصالح الشعوب” فهذا محض افتراء لأن مصلحة الشعب السوري هي آخر ما يفكر فيه النظام، والدليل على أن السوريين اليوم معظمهم ضد هذا النظام الذي نكل بهم، وكذلك نظام ولاية الفقيه الذي أرسل ميليشياته لقتل السوريين المنتفضين ضد النظام الأسدي. ويتابع الأسد بالقول: “العلاقة بين بلدينا بنيت على الوفاء، عندما شنت حرب ظالمة ضد إيران في عام 1980 لمدة ثماني سنوات، سوريا لم تتردد بالوقوف إلى جانب إيران بالرغم من التهديدات والمغريات في ذلك الوقت” وهذه رسالة واضحة موجهة لرئيسي أن النظام السوري في عهد حافظ الأسد قد وقف مع إيران ضد العراق (كان النظام السوري الوحيد في العالم العربي الذي وقف مع إيران ضد العراق في الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي)، أي أن الوجود الإيراني اليوم في سوريا هو رد “الوفاء” القديم للنظام الأسدي، وأن الطرفين يدعمان بعضهما البعض وقت الشدائد.

وتابع الأسد: “عندما شنّت الحرب ضد سوريا منذ اثني عشر عاماً لم تتردد إيران في الوقوف إلى جانب سوريا بالرغم من التهديدات والمغريات أيضاً، ولم تتردد في تقديم كل الدعم السياسي والاقتصادي بل قدّمت دماء، والدماء هي أغلى شيء يمكن أن يقدمه الإنسان لأخيه الإنسان” وهنا يعتبر الأسد أن حربا شنت على سوريا في حين أن من قام بالحرب على الشعب السوري هو ونظامه، ووقوف إيران إلى جانب سوريا وتقديم “الدماء” لم يكن وفاء لمصلحة النظام بل لمصلحة إيران في الهيمنة على سوريا، وتأمين وصولها للبنان، وللبحر المتوسط ليتم لها رسم الهلال الشيعي من طهران إلى بيروت.

المقامرة السّياسية

ويستمر الأسد بالقول: “أما الرؤية المشتركة فقد ميّزت بين الواقعية السياسية وبين المقامرة السّياسية، نحن وأنتم لم نقامر بالسّياسة على الإطلاق، لم نضع مصير دولنا وشعوبنا في يد الأجانب أو الأجنبيّ، وإنما راهنا على انتصار الحق في النهاية وربحنا الرهان، أهمية الزيارة تنطلق من عمق العلاقات بين بلدينا، هذا العمق المنطلق من الماضي والمتجه إلى الأمام بثقة وبثبات باتجاه المستقبل”. في هذا المقطع الرسالة واضحة التي حاول الأسد إيصالها لكل من يفكر بفك الارتباط العضوي بين نظام الملالي ونظام الأسد، ولا يعتبر إيران التي كثفت وجودها في سوريا بـ”الأجنبي” فالنظرة مستقبلية واستراتيجية بعيدة المدى، فلا يظن المطبعون مع النظام أنهم سينجحون في إبعاد النظام عن النفوذ الإيراني الذي قدم “دما” لإنقاذه من الشعب السوري المنتفض. وواقع الأمر أيضا أن الأسد وبمحض إرادته وضع مصير سوريا في يد دول خمس تحتل أجزاء كبيرة من أراضيها (روسيا، إسرائيل، إيران، تركيا، أمريكا).

الرئيس رئيسي في كلمة له أجاب بالقول: “إن العلاقات بين سوريا حكومة وشعباً وبين إيران حكومة وشعباً، هي علاقات عريقة ونابعة من القلب، وهذه العلاقات لن تتأثر بالتغييرات والظروف في العالم والمنطقة” وهنا تأكيد آخر أن إيران لن تتخلى عن علاقتها مع النظام السوري تحت أي ظرف كان…”نحن لطالما أعلنا أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تدعم جبهة المقاومة، ونؤكد الآن أيضا أننا نحن ندعم ونقف إلى جانب جبهة المقاومة” لكن جبهة المقاومة في الواقع لم تقاوم دولة الاحتلال بل كانت ضد ثورة الشعب السوري، فكل الميليشيات الطائفية بمن فيها حزب الله اللبناني تقتل السوريين وتحتل أراضيهم وبيوتهم، والقواعد الإيرانية وميليشياتها أصبحت عرضة لضربات شبه أسبوعية من قبل إسرائيل، وقد دمرت مطارات وموانئ سورية، وضربات لا تعد ولا تحصى هنا وهناك دون أدنى أي رد من قبل النظامين “الممانعين” وميليشياتهما.

ويتابع رئيسي بالقول:” نحن خلال فترة الحرب وقفنا لجانبكم وأيضاً سنقف لجانبكم خلال هذه الفترة، وهي فترة إعادة الإعمار، ونؤكد على توسيع العلاقات بين البلدين من الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية وأي مستوى آخر” وهذه العبارة كما ذكر أكثر من محلل أن زيارة رئيسي هي للتأكيد على أن الديون السورية لإيران (هناك من يؤكد أنها وصلت إلى 60 مليار دولار) يجب أن تدفع بطريقة أو بأخرى عن طريق عقود إعادة الإعمار، أو التزود باليورانيوم عبر شراء الفوسفات السوري، أو التعويض بالأراضي والعقارات، لبناء قواعد جديدة للميليشيات والحرس الثوري الإيراني.

وهذه الكلمات هي رسالة واضحة أن لإيران مصالح كبيرة في سوريا وعلى كل من يفكر بفك الارتباط العضوي بين النظام السوري ونظام ولاية الفقيه أن يعيد حساباته.

كاتب سوري