حماس وحزب الله وبوصلة دمشق

حركة حماس وحزب الله اللبناني (انترنت)
حركة حماس وحزب الله اللبناني (انترنت)

"نقلا عن القدس العربي"

كم هللنا في يوم 25 أيار/مايو من العام 2000 وضربنا طبول الفرحة بتحرير جنوب لبنان من جيش دولة الاحتلال، وأصبح حسن نصر الله وحزب الله الوجه الحقيقي للمقاومة، وانطلقت مظاهرات التأييد في أكثر من بلد عربي. وخاصة النظام السوري لأن الانسحاب الإسرائيلي يعطي شرعية المقاومة والصمود لنظام أمضى عمرا يسبغ على نفسه صفة المقاوم والممانع بمعسول الشعارات. فانتصار حزب الله الحليف للنظام السوري في لبنان هو انتصار للنظام أيضا ولإيران الصانعة والداعمة لحزب الله والحليف القوي للنظام أيضا.

تشكل محور طهران ـ دمشق ـ بيروت مع حافظ الأسد وتعزز مع الوريث بشار الأسد.

وفي الوقت نفسه كانت حماس الفلسطينية المتمركزة في دمشق تلقى الدعم من المحور وتنخرط فيه واتخذ رئيس المكتب السياسي خالد مشعل ومسؤولون آخرون من دمشق مقرا لهم منذ العام 2001 كملاذ آمن له ومن معه بالحركة خشية استهدافهم من جانب إسرائيل وفتح مكتبا للحركة وكان مقر إقامته في ذات الوقت

ولم يخطر على البال أن جمر الثورة السورية كان يتقد تحت رماد فساد النظام وقمعه للشعب السوري.

صبيحة الخامس عشر من آذار/مارس 2011 حدث ما لم يكن بالحسبان، تجرأ شباب من دمشق بإطلاق أول مظاهرة في دمشق ضد النظام، تبعتها درعا بعد أيام ثلاثة وخرج المصلون من مسجد العمري في مظاهرة احتجاجية على اعتقال أطفال كتبوا على جدران مدرستهم شعارات مناهضة للنظام، وقتل الطفل حمزة الخطيب تحت التعذيب كأول شهيد للثورة السورية ثم بدأ عداد القتلى يسجل بالعشرات ثم بالمئات والآلاف حتى أن الأمم المتحدة أوقفت عدادها على 250 ألف قتيل.

مع هذا الوضع وجدت حماس نفسها في صراع مع مجموعة من العوامل المستجدة من الصعب التغاضي عنها فكوادر الحركة في غزة كانت تؤيد الثورة وتدين قمع النظام وجرائمه، و”الإخوان المسلمون” في سوريا المؤيدون للثورة ضغطوا عليها كي تخرج من دمشق، ولم يعد أمامها سوى ترتيب أمورها “بخروج ناعم” كما وصف أحد مسؤوليها، فخرج كوادرها وأولهم خالد مشعل، وتمت تصفية الممتلكات التابعة لها، وفي نهاية العام 2011 لم يعد للحركة في دمشق إلا وجود رمزي ما شكل ضربة قوية للنظام ولإيران ولحزب الله.


توجه مشعل إلى الأردن


وما كان من النظام السوري إلا أن داهم مكتبها في دمشق وأفرغ محتوياته وأقفله بالشمع الأحمر. وتوجه مشعل إلى الأردن ومصر ( في وقت تسلم الإخوان المسلمون الحكم) لتكونا مقرا لكوادر ومكاتب الحركة.

أما حزب الله فكان موقفه مغايرا جدا فبعد أن تسلم الإيعاز من المرشد الأعلى في أيران بالانخراط في دعم النظام الذي بدأت مؤشرات سقوطه تلوح في الأفق، أرسل ميليشياته لتبدأ معاركها الأولى مع قوى المعارضة المسلحة على الحدود اللبنانية السورية بحجة حماية قرى لبنانية على الحدود، ثم توغل أكثر فأكثر في المناطق الحدودية ( الزبداني، بقين، مضايا، حوض بردى) ثم في القلمون والقصير، وفي كل هذه المناطق ارتكب جرائم لا تحصى بحق المدنيين الذين طردوا من منازلهم وجردوا من كل ممتلكاتهم بحجة مواجهة “الإرهابيين” ودعم محور المقاومة والممانعة.


ما أحلى الرجوع إليه


فاجأت حركة حماس العرب بشكل عام والسوريين بشكل خاص بانقلاب موقفها من النظام السوري واعتذارها على القطيعة التي دامت عشر سنوات، ففي بيان صادر عنها في 15 أيلول/ سبتمبر 2022 أكدت:” مضيها في بناء وتطوير علاقات راسخة مع النظام السوري في إطار قرارها باستئناف علاقاتها مع سوريا الشقيقة خدمةً لأمتنا وقضاياها العادلة، وفي القلب منها قضية فلسطين” وكما تعرضت الحركة للضغط لقطع علاقاتها مع دمشق فقد تعرضت اليوم أيضا من إيران بعد زيارة وفدها الأخيرة لطهران وروسيا لإعادة علاقاتها مع نظام دمشق.

وقد أيدت هذه الخطوة مجموعة من الفصائل الفلسطينية منها (الجهاد الإسلامي، الجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين) وحزب الله بالطبع الذي كان على اتصال مع قادة حماس، لكن النظام السوري لم ير المسألة بنفس المنظار إذ وضع على الحركة شروطا يجب الموافقة عليها وعلى رأسها منع قادة حماس ومنهم خالد مشعل تحديدا زيارة دمشق.

وقد ضمنت هذه الشروط في بيانها:” وقالت “حماس” في بيان إنها تقدر “سوريا قيادة وشعبا لدعمهم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة”. إنها ستمضي في “بناء وتطوير علاقات راسخة مع الجمهورية العربية السورية في إطار قرارها باستئناف علاقتها مع سوريا الشقيقة خدمةً لأمتنا وقضاياها العادلة، وفي القلب منها قضية فلسطين” وأنها “تتطلع إلى اليوم الذي تستعيد فيه سوريا موقعها الرائد في الأمة العربية والإسلامية. وتدعم حماس جميع الجهود الصادقة التي تهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار والازدهار في سوريا” هذا الموقف واجهته انتقادات عديدة (حتى من الفلسطينيين أنفسهم) وخاصة من المعارضة السورية، بما فيها حزب الإخوان المسلمين التي وجدت فيها تجاهلا لنضال الشعب السوري ضد نظام مستبد لنيل حريته وكرامته، وخيانة لكل الإخوة الفلسطينيين الذين عانوا كالسوريين من بطش النظام وجرائمه ومخيم اليرموك ومجزرة حي التضامن ومقتل مئات الفلسطينيين تحت التعذيب شاهدة على ذلك.

وكذلك إذا عدنا إلى جرائم النظام ضد الفلسطينيين في لبنان وتل الزعتر مازال ماثلا في الأذهان. أضف إلى ذلك أن العودة إلى أحضان النظام السوري “المقاوم والممانع” ليست مبررة لأن مقاومة النظام لدولة الاحتلال لا تتعدى الإدانات والتهديدات اللفظية رغم كل الإعتداءات المتكررة على سوريا ومطاراتها وتعطيلها. فلا مبرر لمثل هذه العودة سوى إرضاء طهران وموسكو اللتين دفعتا حماس لتدير بوصلتها نحو دمشق.