تصريحات جاويش أوغلو وتباين المواقف من التطبيع مع نظام الأسد

وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو(نقلا عن القدس العربي)
وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو(نقلا عن القدس العربي)

تفاجأ السوريون بتصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أنه أجرى “محادثة قصيرة مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز في العاصمة الصربية بلغراد في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

وصرح في مؤتمر صحافي على هامش اجتماعات المؤتمر الـ13 للسفراء الأتراك في العاصمة أنقرة: “أجريت محادثة قصيرة مع وزير الخارجية السوري في اجتماع دول عدم الانحياز في بلغراد”، في أول لقاء من نوعه منذ بدء الأزمة السورية عام 2011.


تحقيق المصالحة 


وأكد وزير الخارجية التركي على “ضرورة تحقيق مصالحة بين المعارضة والنظام في سوريا بطريقة ما” مشددا على أنه “لن يكون هناك سلام دائم دون تحقيق ذلك” وفقا لما نقلته وكالة “الأناضول” التركية الرسمية.

ودعا تشاووش أوغلو إلى وحدة الصف لمنع انقسام سوريا، قائلا: “يجب أن تكون هناك إرادة قوية لمنع انقسام سوريا، والإرادة التي يمكنها السيطرة على كل أراضي البلاد لا تقوم إلا من خلال وحدة الصف”.

هذه التصريحات تؤكد ما كنا أوردناه في مقال سابق عن “الانعطافة التركية” تجاه النظام السوري. ولكن هذا لا يعني أن حساب الحقل يتوافق مع حساب البيدر، فالمواقف متباينة والنظام السوري يضع شروطه التي ربما أنقرة لن تقبل بها حتى تحت الضغط الروسي بسياسة المقايضة: تطبيع مع النظام مقابل دعم مشروع تركيا في السيطرة على منبج وتل رفعت.

نظم الآلاف من السوريين احتجاجات عبر مناطق شمال سوريا الذي تسيطر عليه قوات المعارضة يوم الجمعة احتجاجا على دعوة وزير الخارجية التركي إلى مصالحة بين جماعات المعارضة السورية المدعومة من أنقرة ونظام الأسد.

وبعد أكثر من 11 عاما من اندلاع الثورة السورية تعد المنطقة الشمالية الغربية القريبة من الحدود التركية آخر معقل لا يزال خاضعا لسيطرة مقاتلين يسعون للإطاحة بالنظام الأسدي مع توزُّع السيطرة بين جماعات متشددة ومقاتلين آخرين تدعمهم تركيا.

وتحتفظ الحكومة التركية بآلاف الجنود في المنطقة وتدعم تحالفا لجماعات مسلحة معارضة للأسد تحت راية الجيش الوطني السوري.

بعد تصريح أوغلو بدأت الاحتجاجات في مناطق من سوريا تسيطر عليها قوات المعارضة مع قيام أشخاص برفع أعلام الثورة السورية في الشوارع مساء الخميس وسحب الأعلام التركية من المباني بما في ذلك مراكز الشرطة ومكاتب الإدارة المحلية، وحرق العلم التركي ما أثار حفيظة الشعب التركي الذي دان حرق العلم التركي دون استثناء.

وقد قامت السلطات التركية بأمر من وزير الداخلية التركي باعتقال الشابين اللذين قاما بالعملية..

وتجمع نحو ثلاثة آلاف شخص في أعزاز يوم الجمعة في الوقت الذي خرجت فيه احتجاجات في مناطق أخرى من محافظة إدلب الشمالية الغربية وفي المناطق الشمالية من محافظة حلب المجاورة، أما المناطق التي يسيطر عليها النظام فلم يجرؤ أحد على التظاهر بسبب الخوف من الاعتقالات والاختفاء في أقبية المخابرات.


مؤسسات المعارضة

تباينت مواقف مؤسسات المعارضة من تصريحات وزير الخارجية التركي، المجلس الإسلامي السوري أصدر بيانا أكد فيه رفضه لهذا التوجه بكل وضوح: “إن الدعوة للمصالحة مع نظام الأسد تعني المصالحة مع أكبر إرهاب في المنطقة مما يهدد أمن دول الجوار وشعوبها، وتعني مكافأة المجرم وشرعنته ليستمر في إجرامه.. من حق شعبنا السوري بشارعه الثوري ومؤسساته الثورية المدنية والعسكرية أن يرفض هذا التوجه”

من ناحيته الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أكد أنه أجرى اتصالات مع الجهات التركية الرسمية حول تصريحات تشاووش أوغلو التي أكدت له أنها على موقفها من الحل في سوريا حسب قرار الأمم المتحدة 2254 وأنه ملتزم بالحل السياسي وجاء في بيانه: “الائتلاف الوطني ملتزم بالحل السياسي وتخليص البلاد من النظام المجرم ومحاسبته وتحقيق تطلعات الشعب السوري”

الحكومة السورية المؤقتة (الممثلة للجيش الوطني الحر) في بيان لها كان موقفها يدعو للحفاظ على علاقات ودية مع تركيا:”نؤكد أنه من حق السوريين أن يعبروا عن مواقفهم من أي تصريح أو موقف وأن يوصلوا أصواتهم للحكومة التركية وبكل وسائل التعبير، لكن كما نطالب باحترام مواقفنا يجب أن نتصرف بحكمة ونعبر عن سلوكنا كثوار ونحافظ على الجوانب الإيجابية المشتركة بين الشعبين ونحترم رموز الآخرين”.


موقف النظام

في مقابلة لبشار الأسد قال فيها صراحة إن الرئيس التركي رجل انتهازي ولا يتوقع نتائج من هكذا لقاء:”ماذا أشعر لو أنا اضطررت شخصيا لكي أقابل وأصافح شخصا من جماعة اردوغان أو من يشبهه.. لن أتشرف بهذا اللقاء، إذا كان هناك لقاء سيحقق نتائج ويحقق مصلحة الوطن لابد من القيام به وهذه من مهام الدولة، ولا أعتقد إن حصل هذا اللقاء أن تكون له نتائج إلا إذا تغيرت الظروف بالنسبة للتركي، ولأن التركي الاردوغاني هو شخصية انتهازية، ومنظومة انتهازية، وعقيدة انتهازية فهي ستحقق نتائج حسب تغير الظروف عندما تكون مضغوطة داخليا أو خارجيا أو ربما فشلها في سوريا، عندها ستحقق نتائج”.

هذه الرسالة واضحة للجانب التركي أن قبول النظام بلقاء مع الساسة الأتراك مرتبطة بعوامل الضغوط والفشل التركي الذي حسب مفهوم النظام السوري سيكون مضطرا لقبول شروط النظام بالوصول إلى نتائج.. وهذه النتائج تعني تخلي تركيا عن المعارضة والانسحاب من الأراضي السورية.


ردود الفعل التركية

اتسمت ردود الفعل التركية بالتأكيد على الثوابت وتهدئة الخواطر، وزير الداخلية سليمان صويلو في تصريح له مباشر بعد الضجة التي رافقت تصريح أوغلو:”تركيا لم ولن تترك الشعب الذي يعاني تحت وطأة الظلم من النظام السوري وحزب الاتحاد الديمقراطي تركيا تحمي صداقتها وجيرتها وإنسانيتها”.

وزارة الخارجية التركية أصدرت توضيحا تؤكد فيه على ثوابتها:”ندعم المعارضة السياسية السورية بالكامل كجزء من العمليات المعروفة باسم أستانا وجنيف، تركيا كانت من أكثر الدول الداعمة لحقوق الشعب السوري المشروعة، تركيا لعبت دورا بارزا في الحفاظ على وقف إطلاق النار وساهمت في إطلاق عمل اللجنة الدستورية، تركيا تلقي اللوم على النظام السوري لعدم تحقيق أي تقدم في الحل السياسي.. نحن متضامنون مع الشعب السوري وسنساهم في إيجاد حل يرضي الشعب السوري”.

رئيس حزب “الحركة القومية” التركي، دولت باهتشلي، أكد دعمه لمواقف جاويش أوغلو، ووصفها بـ”البناءة والواقعية” وأكد أن “الخطوات التي اتخذتها تركيا بشأن سوريا قيّمة ودقيقة، وكلمات وزير خارجيتنا البنّاءة والواقعية حول إحلال السلام بين المعارضة السورية ونظام الأسد هي تلميح قوي للبحث عن حل دائم. لا يجب أن ينزعج أحد من هذا” وأضاف الزعيم التركي: “رغبتنا الصادقة في أن يسود جو التطبيع في جميع المجالات ومع كل جيراننا حتى عام 2023 وما تخبرنا به الجغرافيا الشاسعة التي نعيشها هو أن العيش بالاحتضان، وليس القتال” حسب تعبيره. وهذا التصريح لا يأتي من فراغ وعليه فإن تطورات لاحقة ستظهر قريبا.


نقلا عن القدس العربي.