من حلف بغداد إلى الناتو العربي

اتفاقية حلف بغداد
اتفاقية حلف بغداد

عن( القدس العربي)

لم يأت إعلان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في مقابلة مع شبكة “سي إن بي سي” عن دعمه لتشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط على غرار حلف شمال الأطلسي (الناتو) بين دول” لديها نفس التفكير” حسب تعبيره، إلا بعد تنسيق مسبق مع أكثر من جهة، وربما كان منسقا ليتم مناقشته مع الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال زيارته للشرق الأوسط.

وكان قد صرح أيضا أن الأردن يعمل مع الناتو ويعتبر نفسه شريكا في الحلف: “أريد أن أرى المزيد من الدول في المنطقة تدخل في هذا الحلف، وسأكون من أوائل الأشخاص الذين يؤيدون إنشاء حلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط”.

تحالف عسكري ضد من؟

يدعم الملك عبد الله فكرة حلف ناتو عربي يضم دول (مصر والسعودية والأردن والإمارات وقطر والكويت والعراق) هذا الناتو العربي يكون على غرار الناتو الأوروبي، أو أي تحالفات عسكرية أجنبية أخرى.

وقد بدأت دول الشرق الأوسط العمل معا في ظل التطورات العالمية الأخيرة وخاصة الحرب في أوكرانيا وتبعاتها من نقص توريد الحبوب التي تضع الأمن الغذائي في العالم في خطر.

هذا التحالف العسكري يهدف إلى التوصل إلى تشكيل قوة دفاعية لحماية الدول العربية من التهديدات الأمنية الخارجية وحفظ الأمن القومي العربي، وتجميع الدول العربية تحت لواء واحد.

هذا المشروع يعيد للأذهان كل المشاريع العربيةـ العربية التي كانت تتشكل حسب الظروف السياسية والأمنية، ككل المشاريع الوحدوية التي لم تدم طويلا. ولكن من أين يأتي التهديد للدول العربية؟ بالأمس كل التحالفات بدءا من الوحدة المصرية السورية وانتهاء بالدفاع العربي المشترك، كانت في جلها تستهدف العدو الأول للعرب: إسرائيل. اليوم هناك خمس دول طبعت علاقاتها مع العدو الأول ثلاث منها أدرجت أسماؤها في التحالف الجديد ( مصر، الأردن، الإمارات) وهذا يعني أن التحالف الجديد موجه ضد عدو آخر يهدد الأمن العربي في المنطقة، فهل هو موجه ضد إيران؟

تحالف عربي أم شرق أوسطي؟

المشروع المزمع إنشاؤه غير مكتمل الأركان وغير واضح المعالم، فإذا كان المشروع عربيا بحتا لماذا يقتصر على سبع دول فقط، ولماذا لم يطرح عبر الجامعة العربية ومشاركة أعضائها في النقاش والتنفيذ؟

إذن من الواضح أن اللقاءات المتكررة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الإمارات محمد بن زايد، والملك الأردني عبدالله الثاني تعطي مؤشرا أن هذه الدول الثلاث تشكل النواة الصلبة للمشروع، وهذه الدول هي الدول المطبعة مع إسرائيل، فهل هناك نية أن يكون هذا الحلف شرقا أوسطيا يضم إسرائيل خاصة وأن استثناء دول عربية كثيرة يؤيد فكرة انضمام إسرائيل لهذا الحلف.

وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس قال إن بلاده جزء من شراكة عسكرية إقليمية لمواجهة إيران في المبادرة الجديدة التي يطلق عليها إسم “تحالف الشرق الأوسط الدفاعي الجوي” يعملون معا مع الولايات المتحدة ضد الصواريخ الإيرانية والطائرات بدون طيار.

صحيفة “نيويورك تايمز” كشفت عن تحول الخطر الإيراني إلى قضية تقض مضاجع بعض القادة العرب أكثر بكثير من القضية الفلسطينية وإنهاء احتلال الضفة الغربية. وأن الرئيس الأمريكي جو بايدن تحدث عن تحالف إقليمي لمواجة إيران بقيادة أمريكية ومشاركة إسرائيل وبعض الدول العربية.

ودعا وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، إلى “تشكيل قوة إقليمية بقيادة، الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة إيران.

وزيارة بايدن للشرق الأوسط قد تتطرق إلى حاجة إسرائيل إلى هكذا حلف مع تنامي القدرات النووية لإيران. وكان العاهل الأردني قد أبدى مخاوفه من انسحاب القوات الروسية من سوريا وملء الفراغ بميليشيات إيرانية، وخاصة على الحدود الأردنية السورية، ولكن إلى أي مدى يمكن للدول العربية المتحالفة أن تقبل بعضوية إسرائيل التي ستضعها مباشرة في مواجهة إيران.

من حلف بغداد إلى حلف الناتو

 من تجارب الدول العربية في القرن الماضي مواجهة في ما سمي آنئذ حلف المعاهدة المركزية أو “حلف بغداد” لأن مقره كان في بغداد. وهذا الحلف يشبه إلى حد ما حلف الناتو الأوسطي أو العربي.

في العام 1955 وقع كل من العراق وتركيا اتفاقا عسكريا تحت مسمى حلف بغداد انضمت إليه كل من إيران وباكستان تحت إدارة المملكة المتحدة، وحددت مدته بخمس سنوات قابلة للتجديد، ومع أن البيانات التي أطلقت حين إنشاء الحلف ركزت على أمن وسلام منطقة الشرق الأوسط ككل، إلا أنه يتضح من استقراء هذا الحلف أنه شكل لمواجهة الخطر الشيوعي. لكن الدول العربية التي كانت ترى أن الخطر الحقيقي ليس الخطر الشيوعي لأن الاتحاد السوفييتي كان يسلح أكثر من دولة عربية، وإنما الخطر الصهيوني في فلسطين. لكن الانقلاب العراقي على الملكية الهاشمية في بغداد في العام 1958 جعل القيادة الجديدة تنسحب من الحلف في العام 1959، ثم انسحاب باكستان بعد حربها مع الهند في العام 1971، ومع اندلاع الثورة الإيرانية في العام 1979 انسحبت إيران من الحلف وكانت بمثابة النهاية له عمليا. خاصة وأنه أخفق في استقطاب الدول العربية التي ترى في بريطانيا وأمريكا حليفتين لإسرائيل المهدد الحقيقي للعالم العربي.

أسهم حلف بغداد في تأجيج الصراع السياسي بين الدول العربية وتحريض كل دولة ضد الأخرى. وهذا ربما ما سيقع بين الدول العربية “الممانعة” والرافضة لهذا الحلف الجديد الذي لا ترى فيه مصالحها، بل ربما تهديدا لها، أو تهديدا لإيران التي ترتبط معها بتحالفات كسوريا ولبنان، أو بعلاقات خاصة كمنظمة حماس في غزة، والحوثيين في اليمن، والرافضين التطبيع مع إسرائيل والجلوس معها في حلف واحد.

كاتب سوري