اللجنة الدستورية السورية وضبابية المشهد

اللجنة الدستورية السورية
اللجنة الدستورية السورية

(عن القدس العربي)

بعد سبع جولات عجاف تعوّد السوريون على رؤية الوفد المعارض للجنة الدستورية عائدا من جنيف بخفي حنين، ووفد النظام يعود منتصرا بإفشال أي تقدم حسب ما خطط له النظام بأن تدور حجر طاحون المناقشات على الفارغ، ويعود مبعوث الأمم المتحدة غير بيدرسون خائب الرجاء، أو هكذا يبدو.

الجولة الثامنة التي بدأت أعمالها في جنيف في 30 أيار/ مايو لم يتوقع منها أي نجاح على أي من المسارات أو الملفات المختلفة التي طرحت منذ بداية إعمالها في مطلع العام 2018 والتي جاءت من مخرجات سوتشي. وتأتي الجولة الثامنة هذه المرة في ظل تطورات مختلفة على الساحة السورية.

الحرب في أوكرانيا

كان متوقعا جدا أن تكون سوريا متورطة في الحرب الأوكرانية بشكل أو بآخر. فعلى المستوى العسكري كان لابد لنظام بشار الأسد أن يكون الأول في دعم وتأييد روسيا في حربها على أوكرانيا التي أدينت دوليا. فإضافة للتأييد السياسي للنظام فقد عمل على إرسال مرتزقته للقتال إلى جانب الروس في دونباسك، وخبراء البراميل المتفجرة كي يقوموا بتصنيع براميل مشابهة لتلقى على الشعب الأوكراني كما ألقيت سابقا على الشعب السوري. أما على الجانب الاقتصادي فإن النظام الذي كان يعتمد على الحبوب الأوكرانية والروسية وقع في أزمة حبوب كبيرة بسبب توقف تصدير الحبوب نتيجة الحرب، مما تسبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية المعتمدة على مشتقات الحبوب.

وبعد مرور ثلاثة أشهر على هذه الحرب ودخولها الشهر الرابع دون تحقيق ما كان يخطط له الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من دخول كييف وإسقاط الحكم وتعيين رئيس موال على منوال رمضان قديروف في الشيشان، وجد بوتين نفسه مضطرا لسحب جزء من قواته في سوريا لردف القوات الروسية في أوكرانيا. ولكن سحب هذه القوات التي يخشى أن تترك فراغا تحتله سريعا المعارضة السورية المسلحة، فقد تم تسليمها للميليشيات الإيرانية وحزب الله، وهذا ما يعزز مواقع إيران في سوريا، ويثير قلق إسرائيل. فهل سترضى موسكو وطهران بأن تحرز اللجنة الدستورية تقدما في صياغة دستور يحد من صلاحيات حليفهما في دمشق؟

ومن تداعيات الحرب الأوكرانية وانسحاب قوات روسية من سوريا أطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قرارا بإعادة مشروع المناطق الآمنة في سوريا والتي تمتد على طول الحدود السورية التركية التي تبلغ مسافتها حوالي 460 كم، وبعمق 32 كيلومترا، على أن تضم مدنا وبلدات تتبع ثلاث محافظات سورية، هي حلب والرقة والحسكة، وأن تكون تحت سيطرة تركية كاملة على غرار ما حدث في مدن جرابلس والباب وعفرين. يوازيها مشروع عودة طوعية لمليون لاجئ سوري يستوطنون في هذه المناطق بدعم من تركيا في بناء مساكن وتوفير الخدمات لها في محاولة لتغيير سكاني يضمن استمرارية السيطرة على هذه المناطق التي احتلتها قوات سوريا الديمقراطية الكردية (قسد) المتحالفة مع حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) والتي تشكل خطرا على أمن تركيا. ويصر أردوغان على تنفيذ العملية رغم معارضة واشنطن وطهران لها، لكن الرئيس التركي يلعب أيضا بالورقة الأوكرانية في رفضه لانضمام فنلندا والسويد، المتخوفتين من امتداد الحرب البوتينية لبلديهما، إلى حلف شمال الأطلسي، وترى بذلك واشنطن نفسها في مقايضة مع تركيا في تبادل للمصالح. أما طهران فلا ترى بعين الرضا الى امتداد النفوذ التركي في الأراضي السورية الذي من شأنه أيضا تقوية المعارضة المسلحة واتساع أماكن تواجدها. وقد بدأت تركيا بقصف المناطق الكردية، تدعمها في ذلك قوات جيش السوري الحر التي أعلنت أنها ستكون في طليعة المقاتلين ضد “قسد”. وعليه فإن المستقبل القريب مرشح لتصعيد عسكري كبير في مناطق الشمال السوري، وربما سيغير المعادلة القائمة حاليا، ومهما كانت مخرجات اللجنة الدستورية السورية فإنها لن تغير في الواقع على الأرض شيئا.

إيران والتهديد الإسرائيلي

إسقاطات أخرى للحرب الأوكرانية على سوريا هي المواجهة الإسرائيلية الإيرانية على الأرض السورية، فانسحاب قوات روسية من مواقعها وتسليمها لإيران يقلق تل أبيب من ناحية، ويعطيها حرية الحركة من ناحية أخرى، فهي وبعد قيامها باغتيال الضابط الإيراني حسن صياد خدائي في عقر داره تتأهب لصد أي رد انتقامي وعد الحرس الثوري بالقيام به. وقد صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بأن حصانة إيران قد انتهت. ويعني ذلك أن المواجهة حتمية، وأن إسرائيل أخذت كل احتياطاتها لتستمر في ضرب الأهداف الإيرانية في سوريا وفي إيران نفسها. وهذا سيؤجج أيضا بؤر التوتر في سوريا، ويثير مخاوف دول الجوار كالأردن وقد صرح العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عن تخوفه من التمدد الإيراني بعد انسحاب القوات الروسية إلى حدود بلاده. هذه المتغيرات المختلفة لا تصب في صالح النظام السوري وبالتالي فإنه غير مستعد كسابق عهده بأن يقدم أي تنازل للمعارضة السورية التي تجهد نفسها بمتابعة جولات غير بيدرسون خطوة خطوة لوضع دستور جديد لسوريا، الذي يرى فيها الطريق الوحيدة للوصول إلى حل سياسي، ولكن هيهات.

كاتب سوري