السعي لتعويم نظام الأسد طعنة في ظهر الشعب السوري

مظاهرة سورية ضد بشار الأسد
مظاهرة سورية ضد بشار الأسد

عن القدس العربي

بعد إحدى عشرة سنة من العزلة، وبعد حوالي سنوات ثلاث من صدور قانون قيصر والعقوبات الأمريكية على النظام السوري، جاءت زيارة بشار الأسد للأمارات العربية المتحدة لتطرح تساؤلات عديدة، وتكهنات حول انعكاسات الزيارة وأهدافها، ومن يرحب بها ومن يدينها. فهذه الزيارة تحمل في طياتها أكثر من هدف، وتتقاطع فيها مصالح، وتتعارض أخرى حسب موقع كل طرف وسياساته الخارجية من النظام السوري، أو من أنظمة أخرى لها علاقة بالشأن السوري، خاصة وأن الأزمة الأوكرانية جاءت لترسم ظلالا جديدة على الوضع في سوريا بسبب ضلوع النظام فيها بتـأييد الحليف الروسي ضد أوكرانيا ودعمه بالمقاتلين من جهة، ومقارنة جرائم الجيش الروسي في أوكرانيا بجرائمه في سوريا.

بعد تطورات الثورة السورية، وتصاعد قمع المظاهرات التي كانت تطالب بالحرية وبتغيير نظام الأسد، والتي تحولت إلى حرب دامية ومعارك عسكرية ضارية ضد الشعب السوري، شهدت العلاقات بين دولة الإمارات والنظام السوري انقطاعاً، منذ فبراير/شباط عام 2012، ثم بدأ التحول تدريجيا خاصة بعد أن غيرت السعودية مع ولاية محمد بن سلمان سياستها من المعارضة السورية، ومن النظام السوري. فكانت دولة الإمارات من أوائل الدول العربية التي أيدت التدخل الروسي في سوريا وقيامه بقتال الشعب السوري المنتفض في 2015، ثم أعادت افتتاح سفارتها في دمشق في كانون الأول/ديسمبر 2018. وفي 27 آذار/ مارس 2020، جرى اتصال هاتفي بين ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وبشار الأسد. وقامت الإمارات بتدريب ضباط المخابرات السورية على أنظمة المعلومات والاتصالات، وكذلك أمن الكمبيوتر والشبكات طوال نفس العام المذكور وتزويد جيش النظام بالوقود.

تراجع النفوذ الأمريكي

وفي 20 يونيو/حزيران 2021، أعلنت السلطات الإماراتية استعدادها لاستئناف الرحلات الجوية مع العاصمة السورية دمشق عبر مطاري دبي والشارقة. في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أعلنت وزارة اقتصاد النظام السوري أن وزير الاقتصاد محمد سامر الخليل التقى نظيره الإماراتي، وجرى الاتفاق على تشجيع التبادل التجاري والاستثمار والتعاون على الصعيد الاقتصادي بين سوريا والإمارات. وتم لقاء آخر بين وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي سهيل المزروعي ووزير الموارد المائية في النظام السوري تمام رعد في 22 سبتمبر/ايلول 2021. وتوجت هذه اللقاءات بزيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى سوريا في تشرين الثاني/ نوفمبر الذي نسق لزيارة الأسد للإمارات.

جاء توقيت الزيارة في ذكرى يوم انطلاقة الثورة السورية في 18 آذار/مارس، وبالتأكيد لم تكن محض صدفة فهي مخطط لها سلفا، فمن ناحية هناك رغبة بالتغطية على إحياء هذه الذكرى التي يحييها السوريون في أماكن تواجدهم في جميع أنحاء العالم، ورسالة واضحة بأن الإمارات تعمل ضد هذه الثورة، وأعتبر السوريون المعارضون أنها طعنة في ظهر الشعب السوري. وأشار محللون عديدون إلى أسباب توقيت الزيارة وأهدافها والتي تمحورت جميعها على أن الإمارات تسعى جاهدة لإعادة تأهيل النظام عربيا ودوليا وعودته إلى الجامعة العربية في القمة المقبلة، خاصة وأن محمد بن زايد قد شارك في قمة ثلاثية تجمعه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي نيفتالي بينيت في شرم الشيخ والتي تكهن البعض أن الملف السوري سيكون حاضرا في هذه المباحثات والطلب من إسرائيل الضغط على واشنطن لرفع العقوبات عن النظام السوري، كما أن الإمارات التي تخشى عودة إيران بقوة بعد رفع العقوبات عنها قريبا بعد أن توصلت الأطراف المفاوضة إلى المراحل النهائية من التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني، وهذا ما يشكل خطرا على الإمارات المنخرطة في حرب في اليمن ضد الحوثيين الذين تدعمهم إيران، والذين قاموا بتنفيذ ضربة جوية ضد أبو ظبي مؤخرا، وترى أن التقرب من النظام السوري حليف إيران يمكن أن يفتح قنوات جديدة مع إيران لتطبيع علاقاتها معها. وبالطبع مازالت الجزر الإماراتية محتلة من قبل إيران والتي تطالب فيها الإمارات مرارا وتكرارا دون جدوى. وهذا ما يفسر أيضا، ومن جانب آخر، سبب انعقاد القمة الثلاثية في شرم الشيخ التي ضمت خبراء ومسؤولين أمنيين من الأطراف الثلاثة تحسبا لأي تصعيد أمني مع إيران كخطة ب. كما أن الإمارات تتطلع إلى مشاريع إعادة الإعمار في سوريا لتحل محل روسيا التي لم يعد باستطاعتها القيام بالمهمة بعد غزوها لأوكرانيا وقرار الدول الغربية بتطبيق عقوبات عليها. من جهة النظام السوري، الذي تضرر من الحرب الأوكرانية بانخفاض سعر الليرة حيث وصل سعر الدولار إلى 4000 ليرة سورية وارتفاع أسعار المواد الغذائية، يرغب بأن تقوم الإمارات أيضا بتثبيت سعر الصرف لليرة السورية بضخ أموال وأرصدة في المصارف السورية. وعلى نطاق أوسع تسعى الإمارات لأن تكون دولة ذات مركز وثقل دوليين على مستوى المنطقة وتفرض سياساتها على العالم العربي، فهي تتدخل في الشأن الفلسطيني، واليمني، والليبي، والتونسي، والسوداني، والمصري، والسوري. وتعمل جاهدة لدعم الشخصيات الاستبدادية. لا سيما أولئك الذين يستهدفون الإسلام السياسي، ويستخدمون الإسلام كذريعة لقمع المجتمع المدني. وتنسج الإمارات علاقات قوية مع روسيا ظهرت في زيارة عبد الله بن زايد لموسكو مؤخرا، وتتجه أيضا نحو الصين، في إشارة للولايات المتحدة التي تدخل علاقاتها في أزمة مع كل من الرياض وأبو ظبي بأن البدائل جاهزة. وعزا البعض أن هذا التحول الجديد في سياسة الإمارات والسعودية معا إزاء أمريكا يعود إلى انحسار نفوذها في الشرق الأوسط. وظهر سوء العلاقات أيضا مع أمريكا في أعقاب فشل رئيس الوزراء البريطاني حليف أمريكا، بوريس جونسون، في الحصول على تعهدات من الرياض وأبو ظبي بزيادة إنتاجهما من النفط على خلفية زيارته للسعودية والإمارات، بعد أزمة الطاقة التي سببتها الحرب الأوكرانية.

ردود فعل غاضبة

عبرت المعارضة السورية عن غضبها وخيبة أملها من سياسة الإمارات الساعية لتعويم نظام الأسد. وأصدر الائتلاف الوطني السوري المعارض بيانا قال فيه إن :”استقبال الإمارات لبشار الأسد، سابقة خطيرة، وتعبر عن استخفاف بدماء السوريين وأن استقبال أبوظبي لرئيس النظام يعد خروجا عن قرارات الجامعة العربية وخرقا للعقوبات الدولية، ومكافأة لبشار الأسد على جرائمه، واستخفافا بدماء مليون شهيد سوري. وتزامن زيارة مجرم الحرب بشار مع ذكرى انطلاق الثورة السورية وقتله أول شهيد فيها، يزيد في عدم تقدير إرادة الشعب السوري وتضحياته الغالية على مدى الـ11 سنة الماضية في صراعه مع النظام المجرم ورعاته”… كما أن الإدارة الأمريكية عبرت عن سخطها من هذه الزيارة على لسان المتحدث بوزارة الخارجية نيد برايس الذي وصف الدعوة بـ”المحاولة المكشوفة لإضفاء الشرعية عليه وهو مسؤول عن مقتل ومعاناة عدد لا يحصى من السوريين وتشريد أكثر من نصف السكان السوريين والاعتقال التعسفي واختفاء أكثر من 150 ألف سوري من الرجال والنساء والأطفال”، وأن الهدف الإماراتي هو “كسر عزلة القيادة السورية، ودعوة دمشق للعودة إلى جامعة الدول العربية وتعزيز مكانتها ومركزها العربي”. وشدد على أن “بلاده لن تتنازل أو ترفع العقوبات عن النظام السوري ما لم يتم إحراز تقدم نحو حل سياسي للصراع، الذي أودى بحياة مئات الآلاف منذ اندلاع الانتفاضة ضد الأسد، ودعا الدول التي تفكر في التواصل مع نظام الأسد إلى أن “تدرس بعناية الفظائع المروعة التي ارتكبها النظام ضد السوريين على مدى العقد الماضي، فضلا عن محاولات النظام المستمرة حرمان معظم البلاد من الحصول على المساعدات الإنسانية والأمن”.

ولوح المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا جويل رايبورن، بمعاقبة الإمارات بعد استضافتها الأسد، وكتب على حسابه في “تويتر”، إن “واشنطن لا تحب معاقبة الحلفاء لكن في بعض الأحيان لا مفر من ذلك”. وكانت بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة قالت في بيان مشترك، الثلاثاء، إنها “لا تدعم جهود تطبيع العلاقات مع نظام الأسد”.

*