الانتفاضة الكُرديّة 2004، بواكير الربيع السوري

صورة لانتفاضة 12 آذار 2004 من القامشلي
صورة لانتفاضة 12 آذار 2004 من القامشلي

يُحيي الكُرد السوريون اليوم، الذكرى الـ18 لانتفاضة 12 آذار 2004، التي اشتعلت شرارتها في ملعب القامشلي، قبل لقاءٍ مقرر في الدوري السوري لكُرة القدم؛ بين ناديي الجهاد من القامشلي والفتوة من ديرالزور، بعد أعمال عنف مورست على مشجعي نادي الجهاد الكُرد، تدخلت قوات الأمن والشرطة فيها، بأن أطلقت النار على أبناء القامشلي، فقتلت وجرحت عدداً منهم، لتبدأ على الأثر انتفاضة امتدت إلى المدن والبلدات ذات الغالبية الكُرديّة في سوريا، واجهها نظام الأسد بمزيد من الرصاص، الذي أودى بحياة ثلاثين كُرديّاً، كما اعتقل المئات من الكُرد وأطلق مجموعات من شبيحته، عفّشت بيوتهم وأملاكهم، في صورة مصغرة لما جرى في سوريا بعد ذلك بسبع سنوات.

جاءت الانتفاضة الكُرديّة قبل ثمانية عشرة عاماً، في وقتٍ أطبق فيه بشار الأسد يده على كرسي السلطة في سوريا ثانيةً، بعد بعض الآمال التي آثارها في بداية وراثته الحكم عن والده، والذي جاء بموجب تعديلٍ دستوري على مقاسه، تم تمريره ضمن توافق إقليمي ودولي، إلا أن بعض الرياح غير هبت على سوريا، وهو ما أًطلق عليه ربيع دمشق، وكان من أهم مظاهره تأسيس بعض المنتديات، قبل أن يعمد النظام إلى إغلاقها وتصحير الحياة السياسية ثانية، ويستمر في الحكم بأجهزة الأمن وواجهته حزب البعث، بعد تغيير بعض الوجوه.

أصاب الرعب نظام الأسد الإبن، من انتفاضة كُرديّة واسعة، كسرت حواجز الخوف التي حرص طويلاً على بنائها، فكان أن أرسل أسلحة ثقيلة إلى محافظة الحسكة، وعمل كل ما من شأنه التعتيم على ما يجري والقضاء عليه سريعاً، وكان من ذلك إثارة مخاوف السوريين من خلال الترويج لاتهامات كاذبة دأب على توجيهها للكُرد، لكي يستفرد بهم، مثلما اعتاد على الاستفراد بالمكونات السورية وضربها ببعضها. لقد جرى كل ذلك، مع وجود الأمريكان على حدود سوريا في العراق، بعد اسقاطهم نظام صدم حسين، الأمر الذي زاد من منسوب رعب النظام، وجعله يسرع إلى استخدام ما اعتاد على ممارسته من قمع وحشي، لوأد الانتفاضة.

كانت انتفاضة آذار 2004 الكُرديّة، ربيعاً سورياً مبكراً سبق الثورة السورية بسبع سنوات، لكنها بقيت محدودة التأثير، بسبب نجاح النظام في حصارها وابقائها ضمن الإطار الكُردي. وإذا كان الكُرد وجدوا أنفسهم لوحدهم في مواجهة آلة النظام القمعية وقتها، ومن ثم إجراءاته التمييزية التي عملت على القضاء على وجودهم في سوريا، خاصةً بعد نجاحه في زرع حواجز الفرقة والخوف بين السوريين، فقد أعادت الثورة السورية الكُرد إلى الخارطة السورية وأعادت لهم اعتبارهم، مكوناً سورياً أصيلاً مشاركاً على قدم المساواة في الثورة السورية، وهي الشراكة التي تم تجسيدها عبر إطلاق اسم آزادي/الحرية، على احدى جمع التظاهر في سوريا، وأبعد من ذلك، وجود الكُرد في الهيئات المعارضة للنظام.

سيبقى ملف ضحايا النظام في عام 2004 مفتوحاً، مثلما هو ملف ضحاياه بعد الثورة السورية، في انتظار انتقال سياسي في سوريا، وتقديم الجناة إلى العدالة، لانصاف الضحايا وبناء سوريا حرة ديمقراطية لجميع أبنائها.