الطائفية الحميدة والطائفية الخبيثة

الـ"طائفة" - مصطلح ذو معانٍ كثيرة ومتشعبة، لكنني سآخذ منها - فقط - ما يخدم مقاصد هذه المقالة؛ أي التعريف القائل بأن "الطائفة" - "فئة" من مجتمع ما، يشترك أعضاؤها بانتمائهم الديني أو المذهبي... و"الطائفية" تعني الشعور بالانتماء إلى طائفة محددة.

"الطائفية" يمكن أن تكون شعوراً حميداً عندما يكون مجرد ارتباط فطري طبيعي بالطائفة، وحب الخير لأفرادها، دون أن يشتمل على لمسة سلبية تجاه الآخرين، كل الآخرين. لكنها يمكن أن تكون سيئة مضرة بأصحابها؛ عندما تفرض عليهم التقوقع والانغلاق، وأن تكون خبيثة هدامة قاتلة مدمرة؛ عندما تنزلق نحو رفض الآخر ومعاداته.

بإسقاط هذه المقدمة الفلسفية التجريدية على الواقع، الذي آلت إليه أمور سوريا بعد ما يقارب 11 سنة من تدمير طال كل شيء، نستطيع أن نرصد "الطائفية" بمظهريْها – الحميد والخبيث، لدى أبناء "الفئة العلوية" من المجتمع السوري. إذ لا يستطيع عاقلٌ منصفٌ أن يُنكر وجود عدد لا يستهان به من العلويين، الذين عارضوا ولا زالوا يعارضون بكل قوة ومبدئية "النظام" الذي باشرت حفنة من الطائفيين بإنشائه منذ عام 1963، والذي اتخذ شكل "عصابة" مكتملة المواصفات على يد حافظ الأسد. كما لا يستطيع عاقلٌ منصفٌ أن ينكر الإجرام الذي مارسته وتمارسه بحق السوريين شريحة واسعة من "الفئة العلوية" من المجتمع السوري.

وبالإضافة إلى التجلّييْن السابقين لـ"الطائفية" هناك تجلّ ثالثٌ يتفرع من الفرع "الحميد"؛ يتمثل في محاولة بعض المثقفين العلويين إيجاد مبررات لالتفاف الغالبية الساحقة من العلويين حول "النظام الأسدي" واستعدادها لارتكاب جرائم لا مثيل لها في التاريخ ضد إخوتها في الوطن، في سبيل بقائه جاثماً على مَنَافِس البلاد. إذ يعزو هؤلاء (المثقفون) ذلك تارة إلى العنصرية التي مارسها السنة بحق أبناء هذه الطائفة لا لشيء إلا لأنهم علويون، وتارة أخرى إلى المظلومية التاريخية على يد السلطنة العثمانية التي طالتهم هم - دون غيرهم - من أبناء المجتمع السوري؛ لنفس السبب المذكور.

وفي هذا السياق، يجب أن يعلم إخوتُنا المثقفون العلويون أنهم يجافون الحقيقة تماماً. إذ أن كل الريفيين، كانوا يتعرضون لنفس المعاملة السيئة القذرة من قبل المدينيين. ويجب أن يعرفوا أيضاً أن القروي السنيّ القح ، الذي كان يذهب للمدينة لقضاء أي حاجة، كان يتعرض للإهانة دون ذنب أو سبب. وإذا ما دفعته حميته للرد، فكان يتعرض للضرب والتعنيف.

إذاً، فالأمر ليس طائفياً أبداً، بل هو تفرقة عنصرية بحتة بين المدينة والقرية!!

وفي ما يتعلق بالمظلومية التاريخية، على يد العثمانيين السنة، أود أضرب لإخوتي المثقفين العلويين مثالاً هو الأقرب لي، والأكثر وضوحاً... قمحانة – قرية سنية بالكامل، ورغم ذلك كان الأتراك يصادرون كلّ محاصيلها ويتركون سكانها عرضة للفقر والجوع، كما أقدم الأتراكُ على إفراغ هذه القرية من الرجال، عندما ساقوا غالبية شبابها إلى جيشهم في الحرب العالمية الأولى.

وبالإضافة إلى ما تقدم، يتمثل فرع آخرُ من التجلي الثالث في إصرار بعض المثقفين العلويين على نفيِ صفةِ "الطائفية الخبيثة" عن "النظام الأسدي" رغم أن هذا الأمر أوضح من الشمس في يومٍ صيفيّ سوريّ! ولا حاجة هنا للحديث عن نسبة العلويين في صفوف الجنرالات القادة في الجيش والأمن، ولا عن نسبة العلويين في صفوف المبتعثين للدراسة في الخارج، ولا عن نسبة العلويين في السلك الدبلوماسي، ولا ولا ولا... إلخ...

 إنني أدرك تماماً أن هذه المحاولات تنطوي على حرص واضح على الطائفة، وهو شعور حميد بدون أدنى شك. لكن المصلحة العليا للطائفة وللوطن، تقتضي من إخوتنا المثقفين العلويين أن يكثفوا من خطاباتهم التوعوية إلى أبناء الطائفة، ويشرحوا لهم بلغة يفهمونها مخاطر الاستمرار في هذا النهج، على الطائفة، وعلى الوطن.