اللعنة الأفغانية

افغانستان بلاد صعبة المراس
افغانستان بلاد صعبة المراس

هناك بلاد يصعب حتى على القوى العظمى السيطرة عليها أو استعمارها، ربما لطبيعة شعوبها، أو لتضاريس جغرافيتها، فتكون لعنة كلعنة الفراعنة لمن يحاول الهيمنة عليها، فاليمن "السعيد" على سبيل المثال لا الحصر، ورغم بساطة حالها إلا أنها كانت مقبرة الأناضول، فالعثمانيون حاولوا بشتى الوسائل السيطرة عليها إلا أنهم فشلوا فشلا ذريعا وتركوا وراءهم آلاف الجنود القتلى، ولم يتعظ البريطانيون الذين أيضا دحروا، وكذلك الحملة المصري في عهد جمال عبد الناصر عندما أراد القضاء على الإمام البدر لإنجاح انقلاب عبد الله السلال في ستينيات القرن الماضي، ثم جاءت السعودية لتنغمس بدورها في وحول اليمن لينتصر الحوثيون في نهاية الأمر، فالطبيعة الجبلية الوعرة، وتعود الشعب اليمني القبلي على القتال واستخدام السلاح جعل منهم لعنة حقيقية لكل من هاجمهم. 

أفغانستان التي عرفت في التاريخ الإسلامي باسم خراسان، والتي منها جاء أبو مسلم الخراساني لينهي الخلافة الأموية، هي أيضا كانت لعنة على من حاول احتلالها. فتضاريس أراضيها جبلية وعرة شبيهة بتضاريس اليمن، وشعبها شعب قبلي محارب، إذ حاربوا إمبراطوريات عدة من الفرس والإغريق في عهد إسكندر الأكبر وسواها، وفي تاريخها الحديث دحرت الإمبراطورية البريطانية العظمى التي لا تغيب عنها الشمس في أوج قوتها بعد حرب ضروس في العام 1841. في القرن العشرين حاول السوفييت دخول أفغانستان في العام 1979 لدعم الانقلاب الشيوعي الذي قاده محمد نجيب الله لكنهم ومنذ البداية واجهوا مقاومة شرسة لم تتوقف خلال عقد من الزمن ذاقوا فيها الويلات، وبرزت طالبان كقوة ضاربة جاءت من خارج الحدود ( من مدارس باكستان القرآنية) التي استطاعت مع قوات أخرى تابعة لزعامات مختلفة كرشيد دوستم، وقلب الدين حكمتيار، الانتصار على السوفييت ودحرهم في العام 1989 وخطفت نجيب الله وأعدمته، ومنذئذ والطالبان هم القوة الغالبة في أفغانستان واستطاعوا انشاء إمارة إسلامية بزعامة الملا عمر، وقام زعيم القاعدة أسامة بن لادن بالتحالف معهم والتخطيط لهجوم 11 سبتمبر في نيويورك. وقرر جورج بوش الإبن إعلان الحرب على الطالبان في العام 2001 ورغم انتصار الجيش الأمريكي المدعوم من قوات حلف شمال الأطلسي إلا أنه لم يهنأ عيشا في أفغانستان فاللعنة الأفغانية لاحقتهم. فبعد عشرين سنة من الاحتلال قرر الرئيس الأمريكي جو بايدن الانسحاب من أفغانستان الذي وصف بالانسحاب المهين لأقوى دولة في العالم مقابل ميليشيات طالبان كانت مصنفة ميليشيات "إرهابية" يذكر بهزيمتها في فيتنام ضد الفييت كونغ في العام 1976. هذه الهزيمة لن تكون كسابقاتها فانعكاساتها وارتداداتها ستظهر فيما بعد في "امبراطورية" قال جورج بوش بعد انتصاره على نظام صدام حسين، ونظام طالبان بأن القرن الواحد والعشرين سيكون قرنا أمريكيا، لكنه أخطأ التقدير فأمريكا اليوم في أسوأ حالاتها إزاء صعود الصين السريع، وتمدد روسيا على الخارطة الدولية، وتهديد الشعبوية على ديمقراطيتها التي شهدناها في الهجوم على الكابيتول.