ماكس فيبير، في الشرعيات السياسية، والجملكيات

ماكس فيبر الفيلسوف الالماني
ماكس فيبر الفيلسوف الالماني


وضع عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبير ( 1864 ـ 1920) نظريته في الشرعية السياسية واقتصرها على ثلاث شرعيات: شرعية تقليدية ( قبلية وعشائرية بدائية، أو ملكية وراثية)، وشرعية كارزمية ( قيادة ملهمة تصل للحكم عبر انقلاب، أو تبرز في أوقات الأزمات)، شرعية ديمقراطية ( قيادة منتخبة شعبيا). وهذا التصنيف يعتبر تصنيفا عاما يشمل معظم الأنظمة السياسية في العالم، لكن هناك شرعيات أخرى برزت لاحقا، أهمل ذكرها لأنها لا تدخل ضمن هذا التصنيف. وتسعى كل الأنظمة السياسية إضفاء شرعية ما على حكمها لسببين أساسيين: الأول هو فرض الطاعة على المواطنين. والثاني القبول بها دوليا. فالحصول على الطاعة في الأنظمة التقليدية هو انصياع الفرد تقليديا وبمحض إرادته لأوامر الحاكم في الملكيات المطلقة مثلا، أو رئيس القبيلة، أو العشيرة كون قراراته لا تجادل ولا ترفض. أما الأنظمة الكارزمية تفرض طاعتها بحكم الضرورة أذ تفرض نفسها " كالمخلص الملهم" للخروج من الأزمات بعد أن استولت على السلطة بانقلابات عسكرية، أو بثورات على مستعمر لنيل استقلال كما في فيتنام ( هوشي منه) والصين ( ماوتسي تونغ) مثلا، أو الجزائر ( احمد بن بيلا)، أو جنرالات انتصرت في معارك حربية كتركيا (مصطفى كمال) وفرنسا ( الجنرال شارل ديغول) أوعلى أنظمة قائمة كالثورات على الملكيات في فرنسا ( روبيز بيير)، وروسيا ( فلاديمير لينين)، ومصر،( جمال عبد الناصر)، وليبيا ( معمر القذافي)، والعراق ( عبد الكريم قاسم)، أو على أنظمة سياسية مختلفة كسورية ( حسني الزعيم، وثلة الأنقلابيين الذين جاؤوا بعده)، والسودان ( إبراهيم عبود وكان آخرهم حسن البشير)، واليمن ( عبد الله السلال وكان آخرهم علي عبد الله صالح) والقائمة تطول. وهؤلاء يفرضون طاعة المواطن عبر أحكام مؤقتة ربما تدوم طويلا ( قانون الطوارئ مثلا). في حين أن الأنظمة الديمقراطية تفرض طاعتها عبر احترام القانون والدستور ( دولة القانون) يصل فيها الحاكم إلى السلطة عبر انتخابات عامة حرة ونزيهة ولفترة محددة لا يتعداها. وهذه الأشكال المختلفة من الشرعيات لا تنطبق بالضرورة على مجمل الأنظمة السياسية في العالم. فهناك شرعيات أخرى كانت سائدة تاريخيا كالشرعية الدينية التي كانت تضفي على الحاكم صفة خليفة سماوية ( كالفراعنة الذين كانت أسماؤهم تقترن باسم الإله كآمون رع)، أو خليفة رسولية ( الخلافات الاسلامية) وجلها يعتمد فرض الطاعة عبر البيعة، ويستندون إلى الأية القرآنية:" يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول"

، أو كنسية ( بابوية في عهد ملكيات العصور الوسطى). لكن مثل هذه الشرعيات التي كانت الطاعة فيها مطلقة لم يعد لها وجود. ولكن في عصرنا الحديث برزت أنظمة جديدة تعتمد على شرعية دينية في قالب " ديمقراطي" كالجمهورية الإسلامية في إيران ( سلطة دينية على المذهب الشيعي) حيث تعتبر ولاية الفقيه سلطة منزهة وطاعتها واجب ( روح الله موسوي الخميني، ووريثه علي خامنئي) إلى جانب رئيس جمهورية إسلامية منتخب من بين مرشحين لحزب اسلامي مسيطر يميز كل مرشح انتماؤه لجناح معتدل أو جناح محافظ . أو الإمارة الإسلامية في أفغانستان الطالبان ( سلطة دينية على المذهب السني الملا محمد عمر ثم أختر منصور وخلفه هيبة الله اخندزادة) ويتم اختيارهم بالمبايعة. أو أنظمة طائفية تستمد شرعيتها " الثورية " بغطاء من تعددية صورية يتزعمها الحزب القائد ( البعث) وبشعارات " تحريرية وعروبية" خلبية، وتفرض طاعتها بالترهيب عبر أجهزة مخابراتية واعتقالات وتصفيات، يقابلها اليوم ميليشيات إسلامية تحكم بقوة السلاح ( جبهة النصرة، وداعش) أو حزب الله في لبنان الذي يستمد شرعيته بستار " المقاومة "، أو ما تقوم به بعض المنظمات الإرهابية كبوكو حرام في نيجيريا.

خلال القرن الماضي وبداية هذا القرن برز نوعان من الأنظمة السياسية فريدة من نوعها ولها خصوصيتها في قاموس الشرعيات: أنظمة المحاصصة السياسية الطائفية:

 ففي لبنان. فصلت فرنسا هذا النظام على أساس طائفي أولا حيث كانت السلطة بيد رئيس جمهورية مسيحي ماروني، ورئيس وزراء مسلم سني، ورئيس برلمان مسلم شيعي, ثم انقلبت الآية بعد مؤتمر الطائف فباتت السلطة بيد رئيس الوزراء سني منتخب، مع رئيس جمهورية ماروني محدود الصلاحيات، ورئيس برلمان شيعي يتجدد انتخابه ( زعيم ميليشيا حركة أمل نبيه بري مازال في منصبه منذ العام 1992 )، ثم العراق بعد سقوط نظام صدام حسين حيث أن أمريكا فصلت هذا النظام على أساس طائفي: السلطة بيد رئيس وزراء مسلم شيعي، ورئيس جمهورية مسلم كردي، ورئيس برلمان مسلم سني.

أنظمة الجمهوريات الوراثية:

هناك نظامان جمهوريان وراثيان في العالم لا ثالث لهما: نظام كوريا الشمالية الذي أسسه كيم ايل سونغ ( حكم كوريا الشمالية من العام 1948 ولغاية 1994) وورثه لإبنه كيم جونغ إيل، ثم لحفيده كيم جونغ أون. وهذا النظام يعتبر من أكثر الأنظمة غموضا واستبدادا ويحكم كوريا الشمالية بقبضة من حديد ويفرض طاعة عمياء على شعبه لا هوادة فيها.

النظام الأسدي في سورية: وهذا النظام أسسه حافظ الأسد بعد تصفية زملائه في اللجنة العسكرية ( صلاح جديد ومحمد عمران) وقام بانقلاب " الحركة التصحيحية" في العام 1970 وكان يخطط لتوريث الحكم لابنه باسل الأسد الذي قتل بحادث سير، فتم التوريث لابنه الثاني بشار الأسد منذ العام 2000 والتي تحولت سورية في عهده إلى بلد ممزق تسيطر عليه مجموعة من الدول والتبعية، وتحولت ثورة شعب رفض الطاعة تحت التهديد والوعيد وكم الأفواه إلى مجازر، وخراب البنيان، ولجوء الملايين لبلاد اجنبية، وانهيار الاقتصاد. وهذا النوع من النظام السياسي الجمهوري السياسي كان سيعمم في أكثر من بلد عربي كمصر حسني مبارك، واليمن علي عبد صالح، وليبيا القذافي، وربما تونس زين العابدين بن علي لولا الثورات التي كنست هذه الأنظمة، ولم يبق سوى نظام الأسد المدعوم من ايران وروسيا ولولاهما للحق بركب الراحلين.