فورين بوليسي: غياب نهج بايدن حول سوريا ا لن يزيد إلا من قوة الأسد

السوري اليوم _متابعات
الاثنين, 11 أكتوبر - 2021
الرئيس الاميركي جو بايدن
الرئيس الاميركي جو بايدن


نشر موقع مجلة “فورين بوليسي” مقالا لمدير سوريا وبرامج مكافحة الإرهاب والتطرف في معهد الشرق الأوسط، تشارلس ليستر، قال فيه إن تردد إدارة جوي بايدن حول سوريا يعني تطبيع نظام الأسد وجرائمه. وقال فيه إن نظام بشار الاسد لم يوفر أسلوبا من القتل وتجويع المدن والبلدات وضربها بالغازات السامة واستخدام المحارق لإخفاء جرائم القتل الجماعي في سجونه للحفاظ على منصبه.

وعندما خرج المتظاهرون في 2011 حمل العديدون منهم الزهور تعبيرا عن السلام، ووصفهم الأسد بالجراثيم. وبعد عشرة أعوام قتل حوالي نصف مليون شخص واختفى أكثر من مليون شخص وشرد نصف سكان البلاد. وتم جمع أدلة إدانة للنظام أكثر مما جمعت محاكم نيورمبيرغ للنازية. ومع ذلك فالأسد اليوم آمن في دمشق أكثر من أي وقت منذ 2011. ولم يعد المجتمع الدولي المتعب مهتما بمتابعة أية سياسة عمل واضحة علاوة على تحقيق العدالة للضحايا والمحاسبة من مرتكبي الجرائم.

وبالتأكيد يبدو أن المجتمع الدولي قبل بعودة الأسد إلى الحظيرة ويقوم بتطبيع جرائمه. واعترف وزير فيصل المقداد في 7 تشرين الأول/ أكتوبر أن “إنجازات” النظام السوري في “الحرب ضد الإرهاب” هي السبب الذي غير المناخ السياسي الدولي تجاه سوريا.

وفي تحرك غير عادي أضافت الشرطة الدولية انتربول نظام الأسد من جديد إلى شبكتها، مما يعطي نظام الأسد القدرة على إصدار بلاغات ولأول مرة منذ 2011، بشكل يعرض مئات الآلاف من المهاجرين السوريين للخطر. وعلق قائلا إن قدرة النظام المسؤول عن تجارة مخدرات بالمليارات الحصول على هذه الحقوق وبعد عقد من جرائم الحرب هو بمثابة إدانة مذهلة لهذه المؤسسة الدولية.

وكذا منظمة الصحة العالمية التي قررت في أيار/ مايو منح سوريا مقعدا في مجلسها التنفيذي، رغم سجل النظام في استهداف المستشفيات والعيادات وفرض الحصار القاتل وتقييد وصول المساعدات الطبية. وتبنت إدارة بايدن موقفا متهاونا من سوريا، ومع أنها لن ترحب بعودة النظام إلى الحظيرة وبالأحضان إلا أنها تركت الآخرين يفعلون هذا، في مكافأة لأسوأ نظام مجرم في القرن الحادي والعشرين.

واعترف مسؤول رفض الكشف عن اسمه أن إدارة بايدن لن تتحرك لمنع أو عكس تحرك تطبيع يقوم بها حلفاؤها مع نظام الأسد. وفي الوقت الذي لا يتوقع فيه أحد من إدارة بايدن وضع سوريا على رأس أولوياتها إلا أن تأكيدها على حقوق الإنسان والدبلوماسية المصممة بدلا من الحروب الدائمة أحيت الآمال بأن تكون سوريا فرصة للعمل الدبلوماسي.

وفي الوقت الحالي، فالعمل الواضح لإدارة بايدن هو استمرار الدعم الإنساني ومحاربة تنظيم الدولة، وهما أمران مهمان ولعبت الدبلوماسية الأمريكية دورا محوريا في تأمين استمرارية الدعم الإنساني لشمال- غرب سوريا في تموز/ يوليو. لكن توفير الدعم الإنساني ومحاربة الإرهاب هي عملية تعالج أعراض الأزمة السورية والسماح لجذور الأزمة، وهو أن نظام الأسد يتفاقم.

ولم تستجب الإدارة لطلبات الكونغرس المتكررة وجماعات المصالح لتعيين مبعوث خاص إلى سوريا، بل وقررت في أيلول/ سبتمبر إلغاء المهمة ودمجها ضمن مهام مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى إيثان غولدريتش. وعلى الورق لا تزال الولايات المتحدة ملتزمة بالتسوية السياسية بناء على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الصادر عام 2015 والذي يدعو إلى وقف شامل لإطلاق النار ومفاوضات سورية بدعم من الأمم المتحدة وتسوية سياسية تؤدي إلى “حكم ذي مصداقية وشامل وغير طائفي”، وكتابة مسودة دستور جديد وعقد انتخابات حرة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة.

وفي غياب الضغط الدبلوماسي الأمريكي فلن يحدث هذا. وفي الأمم المتحدة تتواصل الدبلوماسية لكن الجميع يعرف أن المبعوث الأممي إلى سوريا الدبلوماسي النرويجي المعروف غير بيدرسون عاجز عن العمل بدون دور أمريكي حاسم. وبدون جهود حثيثة من الرئيس لتحقيق مظهر من التقدم للجنة الدستور السورية التي شكلتها الأمم المتحدة لتسهيل ولاية عملية سياسية سورية، هو ما يمكن توقعه ولكنه لا يمثل جهود الدعم الإنساني.

وفسر حلفاء الولايات المتحدة غياب النهج الواضح والشامل بعدة طرق، ففي أوروبا، فقد أدى إلى ابتعاد عن السياسة السورية، وهذا نابع من التعب والتسليم، لأنه بدون دور أمريكي محدد، فليس لدى الحكومات الأوروبية الدفع باتجاه حل لا يمكن تحقيقه. وقبل عدة أشهر كان المسؤولون الأوروبيون ينتظرون نتائج مراجعة بايدن للسياسة تجاه سوريا، ولأن انتظارهم طال فهم يتعاملون مع العمل بنوع من السخرية.

وبالنسبة لحكومات الشرق الأوسط، فقد كان الرد مختلفا، فعندما وصلت إدارة بايدن إلى البيت الأبيض كانت المنطقة تدعم قرار مجلس الأمن 2254 والحاجة لتسوية سلمية والمطالب الأمريكية الداعية لتغيير في سلوك النظام كبديل عن تغييره، وكشرط للتعامل معه اقتصاديا وفي مجال الإعمار. وبدأت الإمارات العربية وبشكل تدريجي زيادة التعامل مع النظام.

وعندما زار الملك عبد الله الثاني واشنطن في تموز/ يوليو وسط الوضع المتدهور في أفغانستان بسبب الانسحاب الأمريكي، جاء ومعه صفقة مع سوريا: لو كنا نريد تغيرا في سلوك نظام الأسد، فعلينا أن نعرف ماذا نعني بهذا ونبدأ “خطوات متدرجة” لفحص استعداد النظام التحرك بطريقة بناءة وبناء الثقة معه. واقترح إنشاء مجموعة مهام خاصة من دول متقاربة في آرائها، وتجمع حكومات أوروبية وإقليمية إلى جانب الولايات المتحدة من أجل التوافق على المدخل الأفضل.

وقوبل الملك بتكرار الموقف الأمريكي من قرار 2254 ولكن بدون اعتراض على التعامل المرحلي مع دمشق. وفي الأسابيع التي تبعت زيارة الملك لواشنطن حدثت تغيرات درامية، مثل الاتفاق المتعدد لتوفير الغاز المصري للبنان عبر الأردن والأراضي السورية.

وبحسب مصدر مطلع فقد لعبت السفارة الأمريكية في بيروت دورا بتشجيع الأطراف على المضي في المفاوضات مشيرة لإمكانية التغاضي عن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة بناء على قانون قيصر والذي كان سيمنع الاتفاق.

ومنذ الإعلان عن الصفقة لعب الأردن دور المضيف لعدد من المسؤولين السوريين- وزير النقل والطاقة والمياه والزراعة والاقتصاد والتجارة والأهم وزير الدفاع علي أيوب. وفي 3 تشرين الأول/ أكتوبر تحدث الملك عبد الله مع الأسد نفسه، وناقشا حسب الديوان الملكي “العلاقات الأخوية وتعزيز التعاون”.

وفي وسط هذه الدفعة الدبلوماسية زار مقداد، الذي فرضت عليه بريطانيا والاتحاد الأوروبي عقوبات، نيويورك وشارك في اجتماعات الجمعية العامة الشهر الماضي وزاره سبع وزراء دول شرق أوسطية. وأكدت الجزائر على جهودها لإعادة سوريا إلى الحظيرة العربية عندما تستضيف مؤتمر الجامعة العربية في نهاية 2021.

وزادت الإمارات من تعاونها مع دمشق وسمحت لها بالمشاركة في دبي إكسبو وسمحت بلقاءات وزارية مع وزير التجارة والاقتصادية وعبر عن رغبة بعودة سوريا إلى وضعها قبل عام 2011. وهناك خطط لإحياء المجلس التجاري السوري- الإماراتي. بل وهنأت الإمارات سوريا في ذكرى حرب تشرين في الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر.

ومع أن الدافع وراء هذه التحركات هي التغيرات بالدينامية الإقليمية لكن إدارة بايدن غير مهتمة بها. هذا رغم تأثيرها الضار على التفويض الدولي الوحيد والمحدد للسياسة السورية: قرار 2254. ورغم تأكيد واشنطن دعمها للقرار وأنها لن تطبع أو ترفع مستوى العلاقات مع دمشق، إلا أن استعدادية أمريكا لرفض أو عرقلة جهود التقارب في المنطقة مع النظام السوري آخذة بالتلاشي.

وأوضح مثال هو السماح بصفقة أنابيب الغاز العربي، وتجاهل قانون قيصر الذي فرض عام 2019 لمعاقبة النظام السوري وتعزيز فكرة المحاسبة له وحماية المدنيين ومنع الاستثمار الخارجي في المناطق الخاضعة للنظام. ولم تستثمر إدارة بايدن القرار بعد 10 أشهر في الحكم ومع تأكيدها على أن حقوق الإنسان هي الموجه لسياستها الخارجية.

ويعتقد الكاتب أن غض إدارة بايدن النظر عن عمليات التطبيع أو نهجها المزدوج (تكره التقارب لكنها ترفض وفي أحيان أخرى تسهله) هو بمثابة “تفويض الاستقرار” تجاه الشرق الأوسط، وبموجب هذا تعطي دول المنطقة الرخصة لكي تحل المشاكل الإقليمية بنفسها وبأقل دعم أمريكي.

ويعطي هذا النهج، رغم نتائجه غير المستساغة إدارة بايدن التركيز على الأمور الأهم وهي مواجهة الصين وروسيا، إلا أن تجاهل الوضع في سوريا وتركه لدول المنطقة كي تتابع أولوياتها ومصالحها لن يعالج الأسباب العميقة للأزمة، فمسار سوريا الحالي تحت قيادة الأسد يقود لمزيد من المعاناة، فنظامه فاسد واقتصاده محطم. وفي هذا المسار لن ينتفع سوى الأسد والجريمة المنظمة والمنظمات الإرهابية.

ويمثل التقارب الإقليمي مع دمشق تهديدا لملايين اللاجئين السوريين، فالتقارير عن اعتقال المخابرات الأردنية الصحافيين السوريين وتهديدهم بالترحيل مثيرة للقلق وصورة عما يخبئه المستقبل.