رحلت "نورا محمد" بصمت.. مثلما عاشت!

السوري اليوم _ حسين جلبي
الخميس, 22 يوليو - 2021
إنترنت
إنترنت

تشبه حياة بعض البشر أوطانهم كثيراً وتكون نسخة عن مجتمعهم المهمّش، منذ ولادتهم وخلال مراحل حياتهم المختلفة وحتى مماتهم، حيث لا يلتفت إليهم أحد ولا يشعر بغيابهم أحد، فهم يخوضون معركتهم الخاسرة مع الحياة، التي تطلق عليهم رصاصة الرحمة بعد أن تطحنهم وتنهكهم وتفتك بهم، ليخلفوا ورائهم حطاماً، يكون دليلاً وحيداً على أن انساناً "مرَّ من هنا"، وتصبح إزالة حطامه الهم الوحيد للمجتمع، لإخفاء آثار طعناته في ذلك الانسان.

عاشت "نورا محمد" من عامودا وحيدة بعد وفاة زوجها مبكراً، ربت أطفالها الثلاثة، اثنين منهما معاقان نفسياً وجسدياً، وقامت بجميع الأعمال الكفيلة بإبقائهم على قيد الحياة، وتلائم الاعتناء بهم وتجعلها قريبةً منهم حتى كبروا، وفي انتظار معجزة أن يحمل ابنها المعافى بعض حملها، كان آخر الأعمال التي قامت بها هو بيع أرغفة الخبز بعد تحضيرها في بيتها.

لكن خسارة "نورا محمد" لزوجها عندما كانت في مقتبل عمرها، لم تكن هي فاجعتها الوحيدة، فقد أقدمت "قوات سوريا الديمقراطية" على تجنيد ابنها الكبير ديار، الوحيد الذي لم يصب بالإعاقة، والذي كان من المفترض أن يكون معيلها، بعد أن قضت سنين عمرها في رعايته وأخويه المعاقَين، وقد اختفت آثاره بعد أن أشركه حزب العمال الكُردستاني في "معركة عفرين"، إبّان العملية العسكرية التركية في تلك المنطقة قبل ثلاث سنوات، والتي هُزمت فيها القوات وسقطت إدارة الحزب هناك، الأمر الذي أطفأ بارقة الأمل الوحيدة في حياتها.

كان ابنيها المعاقين يعتمدان عليها بشكل كامل في جميع شؤون حياتهما، فهي تقوم برعايتهم في كل شيء، بما في ذلك من غسل واطعام وحتى حلاقة ذقنهما بعد أن كبرا، ولم يكن كل ذلك سهلاً عليها، فقد أظهر آخر مقطع مصور "أم ديار"، وهي تحارب من أجل تقديم الرعاية لأطفالها، وسط مقاومتهم لهم بسبب عدم إدراكهم لما تقوم به، كانت تقول بأن "الطماطم لم تدخل بيتها منذ شهرين".

كانت أُمنية "أم ديار" بعد أن فقدت الأمل في عودة ابنها المقاتل، هي أن يتأجل موتها إلى ما بعد موت طفليها المعاقين، حتى ترعاهم حتى آخر لحظة ولا تتركهم لمصير مجهول، وحتى هذه الأُمنية التي جعلتها "قسد" حلماً، بعد أن قضت على أملها الوحيد، لم تتحقق، وأصبح أطفالها على طريق المجهول، مثل المنطقة التي تتقاذفها الأزمات.

الوسوم :